من أسباب عزوف التونسيين عن الشأن السياسي:

(1) الدور السلبي جداً الذي لعبه،

- جزء هام من النخبة السياسية الصّاعدة، من خلال أجنداتهم التي أعطت الأولوية للخلافات السياسية والأيديولوجية قصيرة المدى على الصراع الحقيقي طويل الأمد بين طبقة ثرية للغاية تستمر في مراكمة الثروة وطبقة ضعيفة تغرق في الفقر. .

- جزء كبير من النخبة المثقفة الذين فضلوا الاستقالة والتخلي عن دورهم الريادي خلال المرحلة الانتقالية. فلا وجود وازن في الفضاء العام للمتخصصين ولا للفنانين من مسرحيين وموسيقيين ولا من شعراء وادباء ولا منتجي ثقافة وطنية تساهم في تعميق الوعي الجمعي بالقضايا المشتركة..

اضافة الى،

(2) السلوك الانتهازي المبالغ فيه إلى حد تمثُّــله "كظاهرة اجتماعية" وربما أنثروبولوجية، مما يدل على تراجع مستوى الوعي الجمعي ونقص الوعي الفردي بالانتماء الطبقي، خاصّة في ظل مساحات من حرية التعبير كانت واسعة جدا، بايجابياتها وسلبياتها.

(3) النظام اللغوي الاجتماعي المهترئ. ويتجلى ذلك في "الاستهلاك المنهجي" لجلّ المصطلحات والمفاهيم الأساسية وتسطيحها إلى حد إفراغها من محتواها في الخطاب الرسمي وغير الرسمي الذي ينقله جهاز إعلامي منخرط في جزء هام منه في الواجهة السياسية التي تعكس بالضرورة واجهة البحث عن الريع.

وتشمل هذه المصطلحات: الرؤية، الاستراتيجية، الحقوق، البرنامج الاقتصادي والاجتماعي، الإنقاذ، المساواة والعدالة الاجتماعية، كُــتلة الأجور، الإصلاحات، التضخم، السياسة النقدية، استدامة الدين العام، الأزمة الاقتصادية، الأزمة الاجتماعية، القدرة التنافسية، التعليم، الصحة، النقل، الطاقة، التحول الديمقراطي، الجريات الفردية إلخ.

كُلّها مفردات مُعقّدة أضحى التونسيون يسمعونها يوميا بشكل رديء لانها بدون برامج عمل على أرض الواقع. وأدى ذلك إلى الخلط من حيث الأهمية بين خلاف كرونكوز والزوجة السابقة لأحد لاعبي كرة القدم من ناحية، وبين انتشار القمل ضمن التلاميذ في بعض المدارس وغرق الشباب عرض البحر أثناء الهجرة في قوارب مطاطية من ناحية أخرى أو الاعتداء (على) والتنمر بأستاذ في أحد المعاهد... فكلها باتت تُؤخذُ على انها مجرد أخبار متفرقة مماثلة للحرب في غزة ولصابة الزيتون في تونس أو فشل قيس اليعقوبي في الانتصار في رادس، لا يشعر الفردُ الانتهازي بتأثيرها الحِــيني على حياته اليومية.

(4) تراجع الأداء الاجمالي للفرق الحاكمة المتعاقبة في الاقتصاد والامن والاجتماع وذلك :

(أ) لقلة شمولية وشفافية المقاربة في تعبئة الكفاءات الوطنية وادماجها في أهداف التنمية،

(ب) دور الجهاز الاداري في تثبيط طرق العمل وعدم تحرره من المناهج السابقة،

(ج) الفشل الاجمالي في ترويض الضغوط الخارجية (الاقتصادية والجيوسياسية،

(د) عدم جاهزية النخبة السياسية الصاعدة من حيث البرامج التنموية، (..) مما أدى إلى تدهور الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية.

(5) شرخ بين خطاب الطبقة السياسية ووضع الشباب المتوافد والاجيال المُستحدثة، حيث أنّ الاخيرة التي ليس لها أُفق مستقبلية واضحة المعالم لا تُــبالي باختيارات وتحديات الاولى... فضلا على عدم قدرة العديد من الاحزاب على بناء حاضنة اجتماعية

قد تكون هذه الفترةُ موائمةً لاستخلاص الدروس المُستفادة.

Commentaires - تعليقات
Pas de commentaires - لا توجد تعليقات