تخيلوا لحظة لو تتحول سوريا إلى بلد ديموقراطي يضمن الحريات ويحميها بالقانون مثل لندن أو باريس؟ سيرحل آلاف المفكرين العرب والباحثين والعلماء والكتاب ودور النشر ومنتجي الأفلام إلى دمشق، يتلوهم أصحاب المؤسسات الإعلامية الحرة الباحثة عن مناخ حرية محمي بالقانون للبث من هناك إلى العالم، ستنشأ ساحة عامة agora في دمشق وحلب واللاذقية في إطار التنوع وحرية التعبير والبحث العلمي، ولن يطول السؤال عن أحوال الأوطان الأم من الخليج إلى المحيط وعن شرعية السلطة لدى الجنرالات المزيفين والتداول السلمي عليها في انتخابات لا تحكمها وزارات الداخلية والمخابرات،
الحكام العرب وقادة جيوش التحرير والمخابرات والشرطة والمحيطين بالحاكم المتمعشون من الصفقات العمومية سيصرخون "لا سمح الله"، فاش قام؟ أين ذهبت داعش لإعادة ترتيب الوضع؟ إن استقالت فيجب إعادة اختراعها فورا، "قاله حريات قاله؟" لأن أية محاولة للحقوق يجب أن تقترن بالدماء والتفجيرات والقتل حتى الندم على اليوم الذي فكرت فيه دمشق في الخروج من قرون الاستبداد،
حول مواقف بعض التونسيين
حول مواقف بعض التونسيين مما يحدث في سوريا، أدرك حجم التسمم الإعلامي الذي تعرضنا إليه منذ 2011، وهو شيء أفهم فيه مهنيا وصناعيا وعلميا، لو عدنا إلى أرشيف الصحف لوجدنا أنفسنا إزاء ظاهرة غير مسبوقة في امتدادها الزمني ومواضيعها التي شملت تسميم كل شيء،
لو نأخذ مثلا: إطلاق فيلم بارسيبوليس في تونس، الذي مولته المخابرات الفرنسية نكاية في إيران وما أحدثه من عنف واحتقان، موضوع يستحق البحث والتحقيق وكشف مصادر التسمم الإعلامي، أي خلط حقائق صغيرة بأكاذيب كثيرة، ترديدها يوميا حتى تصبح "أكاذيب حقيقية" صلبة لا يمكن التشكيك فيها، النتيجة: عجز الناس عن تنسيب الأحداث أو إخضاعها للتدقيق وتصديق أية إشاعة،
هذا حدث لأن الفضاء العام كان في يد أنصار الثورة المضادة الذين خسروا امتيازاتهم التاريخية، فيما فشل ممثلو الثورة: لا هم وفروا المجال لصناعة وسائل إعلام حرة وموضوعية ولا طبقوا القانون على وسائل الإعلام المارقة بل كانوا يتوسلون إليها ليظهروا فيها،
هذا التسمم كان موظفا بعناية لخلق حالات توتر اجتماعي واستقطاب عدواني أدى إلى منع التفكير في الحلول الاجتماعية والسياسية التي وجدتها البشرية في نقاشات مفكري الثورة الفرنسية، حتى أنه كان علينا أن نعيد اختراع مفهوم العيش معا باختلافاتنا،