"إنّي أرى الطّغاة عراة"

هل رأيتم تلك الفرحة الجامحة المرتسمة على وجوه السّوريين و هم يخرجون بالآلاف في ساحات سوريا محتفلين بسقوط الطّاغية سفّاح العصر؟ هل شاهدتم تلك الاحتفالات الشعبية العارمة الّتي اكتسحت الميادين و الشوارع في ربوع سوريا الحبيبة؟ هل استمعتم الى خفقان قلب استعاد نبضه بعد أن خلنا أنّه توقّف؟

ما أجمل الفرحة!و ما أجمل الحياة! و ما أجمل فرحة الحياة و ما أجمل أن تكون مبشّرة بالكرامة و الحرّية،فسبحانه الّذي يخرج الحيّ من الميّت و يحيي من خلناه مات! من قال أنّنا شعوب ميّتة، نعشق الموت و العبودية و نقدّس الطّغاة؟

فرحة جعلتنا نفرح و أحيت فينا الأمل في أن نعيشها ذات يوم بعد أن حرمنا من تذوّق طعمها ذات يوم. نحن من كنّا سببا لهذا الطّوفان ذات 17 ديسمبر2010 لم نفرح يوما كما فرحتم أيّها السّوريون كفرحكم يومكم هذا، لم يتركونا نهلّل أو نزغرد أو نكبّر أو نطلق لعبة نارية واحدة في سمائنا الّتي اكفهرّت و اسودّت منذ لحظة الميلاد،خفافيش الظلّام، عشّاق العبودية و الطّغاة ، قطّاع الطّرق و سرّاق الثّورات ،لم يسمحوا بأن نهنأ لحظة واحدة و لم يهنأ لهم بال حتّى أعادونا الى حظيرة الدّواب.

منذ ثلاثة عشر سنة أذكر أنّنا كنّا نتظاهر و كنت في غالب الأحيان أخرج رفقة زوجتي و بناتي، كانت طفلتي الصّغيرة سارّة الّتي لم تتجاوز حينها الستّ سنوات تصرخ بحماسة: "يسقط مبارك، يسقط القذّافي، يسقط بوتفليقة، يسقط صالح، يسقط بشّار" فتنهرها إحداهنّ و تأمرها بأن تسقط من قائمة السّقوط بشّار،لم تستجب براءة ابنتي لهذا التدخّل الفجّ فعيونها لا ترى ما يرى الكبار!

فهي ما تزال بريئة نقيّة كالطّفل الهارب الى الحرّية في لوحة الهروب من الإطار للرسّام بيردل بوريل،ما تزال على فطرتها و لم تتعرّض بعد للطّفرات الجينية و اللّوثات و التدخّل الفجّ لتدخل في قطيع الهاربين منها.

طفلتي كانت كذاك الطّفل الجريء الشجاع الّذي يصرخ فيمن حوله:"إنّي أرى الملك عاريا" . طفلتي كانت تشبه حمزة الخطيب الّذي كتب على جدران مدرسته في درعا:"الشّعب يريد اسقاط النّظام" فكان مصيره رصاصة في القلب و ثانية في ذراعه اليمنى و ثالثة في اليسرى مع اقتلاع عينيه و عضوه التّناسلي.

طفلتي ككلّ أطفال أوطاننا المنكوبة المنهوبة لا يرون فيمن يسرقون طفولتهم و يعدمون مستقبلهم و يصادرون أحلامهم سوى طغاة و عراة و مسوخا متوحّشة مخيفة كما في حكايات الجدّات.

منذ ثلاثة عشر عاما،لم تكن ثورتنا الّتي أطاحت فقط برأس النّظام لتبقي أوسخ من فيه طاهرة بريئة في مثل براءة أطفالنا، لقد دنّسناها نحن الكبار و اغتصبت و نحرت من الوريد إلى الوريد ليتفرّق دمها بين القبائل.

فهناك من يدّعي مقاومة استبداد و يسند من هو أشدّ منه استبدادا، و هناك من تثير حساسيّته صرخات التّكبير و هناك من يريد بأن يحوّل المسار يمينا و هناك من يرغب في أن تكون الوجهة يسارا و هناك من منذ البدايةمن ترهبه الحرّية و يودّ العودة الى اسطبل الدّواب،ليكون الهروب الكبير تجسيدا لمقولات أريك فروم.

و هناك عالم منافق ومحيط مستبدّ يخشى عدوى الحرّية و نهضة الشّعوب فمكروا للثورة مكرا تزول منه الجبال لتكون عبرة لكلّ من يفكّر مجرّد التفكير في الحرّية و الكرامة و التغيير.

لم نفرح كما فرح السّوريون و ها هم هؤلاء الّذين سرقوا فرحتنا يلومون السّوريين على فرحتهم و يلوموننا على فرحتنا لفرحتهم،و يتوعّدوننا جميعا بسوء المآل و بئس المصير!

تبّا لهذه العيون الوقحةالّتي لم تر بشاعة و فظاعة نظام لم يترك جريمة الّا و اقترفها في حقّ شعبه لتستشرف مستقبلا مازال في علم الغيب،سوّدته كعادتها،و تبّا لهذا التّباكي على وطن دمّروه و لم يكن أبدا من اهتماماتهم، و لتلك الدّموع ،دموع التّماسيح الّتي تذرف على قضيّة لم تكن حقيقة قضيّتهم. تبّا لهذه الغربان النّاعقة، و الضّباع الّتي تقتات على الجيف العفنة!

تبّا للاعقي أحذية الطّغاة و مدمني الاستعباد و مطبّعي الاستبداد،لمن يصنعون الفراعين من حلوى ليلعقوها و يدثّرون الطّغاة العراة بزيفهم و دجلهم فيسحرون العيون،ليخرج في النّهاية طفل يصرخ:" إنّي أرى الطّغاة عراة".

Commentaires - تعليقات
Pas de commentaires - لا توجد تعليقات