من قاله؟
إن كان جمهور "الله ينصر من صبح"؛ فالأمر ليس جديدا. دوما الحشود/الرعية المتشوفة إلى بطل يأخذ بيدها تصنع جلاديها. وإن قالها أحمد الشرع الجولاني (بعض شبيحة للأبد يعيّرونه بهذا اللقب والحال أنه يحيل على هضبة الجولان المحتل طيلة عقود الأبدية المتحللة كالجيفة). قلت وإن قالها الجولاني فالأمر كذلك ليس جديدا... ساعة استباح هتلر فرنسا ونصّب حكومة فيشي العميلة هاجر شاب فرنسي لا يحمل سوى راية أمته المستباحة وكوّن جيش فرنسا الحرة وعاد لتحرير بلده... ساعة النصر على النازية كانت الحشود تتلاطم كالمياه الهادرة للترحيب بالقائد المحرر الذي يسير وسط الشارع بخطى الظافر المنتصر فانتبه كون أحد فريق البروتوكول يسير مباشرة بجانبه فالتفت إليه قائلا رجاء احترم مسافة البطل( معناها بالتونسي وخّر شوي يا صحوبة. )
ترى هل ما صنعه البطل شارل ديغول كان موقفا سليما؟
نحن لا نناقش هذا الأمر، بل نناقش نفسية من يضع كفنه على كفه ويتقدم إما شهيدا أو شاهدا كيف يتصرف ساعة النصر الذي يتكاثر ٱباؤه ؟! كل بطولة هي مشروع استبداد. وهذه محنة الوطنيين العالم ثالثيين بعيد استقلالات أوطانهم.
ما العمل في سورية اليوم؟
هل المطلوب ترذيل الثورة وترذيل المناضلين ورفع شعار "بڨداش كيلو النضال" كالذي رفعه قوادو الاستبداد مقابل البلعة المدعومة في تونس؟! هل المطلوب مناشدة البطل "اللي حرر يقرر"؟! أخطر ما يقتل الثورات نزع القداسة عنها (ترذيلها) كما حدث في تونس.
وأخطر ما يقتل الثورات أيضا الاستقواء بالركون لوضع الاستثناء (الشرعية الثورية) الذي لن يستثني شيئا حتى الثورة نفسها. ولكم العبرة في الثورة البلشفية التي ركنت إليه لردع الثورة البيضاء فانتهى الحال إلى قبر الثورة الحمراء.
هل المطلوب نشر "يسار" الأنجزة ONG/NGO تماما كما حدث في تونس: "بزازل مطيشة في الشوارع وٱنا حرة في فرفوري" وأستاذ جامعي سمسار(ح ر) يصرح "نحن مضطرون إلى تشجيع كل شيء لنختبر صبر الخوانجية.... نحن نشجع نشر التشيع في مواجهة الاغلبية السنية لنستطيع أن نفرض العلمانية بديلا عن صراعهما"... نعم لقد تمت صناعة الأقليات المفبركة على عجل لكسر القرص الصلب ( وحدة المجتمع).
ومع ذلك نحن نخجل من كتابة شيء إلى أشقائنا السوريين يُشتمّ منه الاستعراض ولو نصحا من بلد ضيعت "نخبته" طوفان حرية معمد بدم "العوام" .
لكن وحدة مصير الأمل والألم تدفعنا إلى الكتابة عن سورية كأنما نكتب عن تونس أو نواكشوت أو جنوب السودان أو بغداد…
رفاقنا في سورية:
لظى الدولة القومية التي تطوي خيامها بلا بواكي ليس معناه القبول بلظى الدولة الدينية المتخلفة. لكن ذلك لا يكون بمصادمة المجتمع ورفاق التحرر من المحرقة كما حدث في تونس. إذا كانت أغلبية المجتمع محافظة ورفاق تحرير البلاد شباب محافظ فالأجدر خوض معركة التأويل عوض تديين العلمانية.
يقول إدوارد سعيد لا وجود لمعركة بين دينيين وعلمانيين بل توجد معركة تأويلات.
الأجدر الاشتباك العقائدي مع هؤلاء الشباب كون الاسلام العظيم الذي يغارون عليه جاء ثورة لإنهاء نموذج الدولة الدينية( الاستبداد المتخلف/الحكم باسم العناية الالهية والإمام المعصوم) فالنبي محمد ﷺ ساعة نظم دولة المدينة لم يقل "القرٱن دستورنا" بل استن دستورا وضعيا في ظلال القرٱن لتنظيم مجتمع متعدد.
فالأجدر اليوم بعد أربعة عشر قرنا تنظيم المجتمع السوري وفق نموذج دولة ديمقراطية/ دولة لكل مواطنيها متساوون أمام القانون؛ لا تمييز قومي ولا ديني ولا طائفي ولا جندري... فالدولة العادلة أرحم من الدولة الظالمة أيا كانت الشعارات الكبيرة باسم الشريعة أو باسم المومانعة…
شرع الله هو الدولة العادلة التي تساوي بين مواطنيها؛ لا دولة قومية مروعة ولا دولة دينية مرعبة ومتخلفة.
إذا الاستبداد قد منع النخب السورية من بناء بلدهم، فلا شيء يمنعهم اليوم من العودة لخوض الجـهاد الأكبر: بناء دولة مواطنيها بديلا عن الدولة القومية المتحللة كالجيفة وعن الدولة الدينية المتخلفة المتربصة.
سورية تحتاج جدلا اجتماعيا بين نخبها تواصيا بالحق وتواصبا بالصبر لا صراع تنافي كما حدث في تونس. لا تضحوا بالحرية وقد دفعتم ثمنها ملايين الشهداء والمشردين...
الديمقراطية ليست رقية بل فرض حالة توازن على الأرض: نخب علمانية متوجسة (مشروع صنيعهم) ونخب اسلامية ظافرة (نتفهم ثقتهم بأنفسهم) ... تنازلات وحوارات وحسن نية ويقظة... احذروا صنيع النخبة التونسية المدمر.
كانت تونس اقليما ملهما في الثورة على الاستبداد. فلتكن سورية نموذجا ملهما في بناء النموذج الديمقراطي القابل للحياة. فالانتصار للديمقراطية هو الحليف الموضوعي للمقاومة دون منّ ودون اختراق ودون وصاية.