قول آخر الأخبار الآتية من دمشق أنّ فئة من المغرمين ببشّار الأسد وآله وصحبه من الذين لم يتح له الهروب من البلد، خرجوا للتّظاهر في ساحة الامويين التي كانت محرّمة عليهم وعلى غيرهم من أجل المطالبة بعلمانيّة الدّولة التي سقط نظامها منذ أقلّ من شهر ولّمّا يتشكّل بعد نظامها الجديد. دولة بلا دستور،بلا حكومة، بلا جيش، بلا امن، بلا مؤسّسات، وبين أكوام الخراب و السّجون والمقابر الجماعيّة، يبحث السّوريّون عن أثر لأبنائهم فوق الأرض وتحت الأرض ، لا أحد يدري ماذا فعل بهم نظام الأسد. ولا يدري المرء أيضحك أم يبكي من سخف الطّلب ووقاحة من خرج للطّلب، فهل مطلب العلمانيّة يكتسي أولويّة في مثل هكذا توقيت وهكذا ظروف؟
قد يجيب المتظاهرون من بقايا آل الأسد ، إنّ مطلبهم من باب التّوقّي والحذر وقبل أن تنزلق الأمور إلى دولة دينيّة، لاسيما وأنّ القادمين الجدد ملتحين.. إلى هنا تبدو المخاوف منطقية. ولكن، أيّ علمانيّة يطالبون بها؟ هل يطالبون ب"علمانيّة الكابتغون" ؟ أم " بعلمانيّة البراميل المتفجّرة"؟ وماذا جنى المجتمع السّوري من علمانيّة بشّار ، غير الفقر والبؤس والدّمار الإجتماعي والاقتصادي والإنساني ؟فلا معنى لعلمانيّة مع فقدان رغيف الخبز ولا معنى لعلمانيّة مع البطش،ولا معنى لعلمانيّة يدوس حاكمها بنعاله على البشر.
لم نسمع أنّ السّوريين عندما خرجوا في ثورتهم منذ أكثر من عشر سنوات، كانوا يطالبون بنظام إسلامي، بل كان مطلبهم الأساس، حرّيّة، عدالة، كرامة وطنيّة،و مساواة بين كلّ السّوريين، لذا فإنّ شعار العلمانيّة او الإسلاميّة الآن بعد سقوط آل الأسد وإلى الأبد، إنْما هو حرف للثّورة عن مسارها وعن جوهر القيم العلمانيّة، ومحاولة مدبّرة من أجل إغراق المجتمع السّوري المنهك بتاريخ مثقل بالإستبداد ومن عشريّة دمويّة في مستنقع الاستقطاب الثّنائي بين العلمانيّة و الإسلاميّة،دفعا بالأمور إلى عدم الإستقرار، كما حدث في كلّ ثورات الرّبيع العربي ،الذي سمّاه بشّار وشبّيحته "ربيعا عبريّا" وما عرفت الأمّة عبريّا مثله،والجولان المحتلّ شاهد على ذلك.
لو خرج أنصار العلمانيّة المدعومة مطالبين بمدنيّة الدّولة، لكان مطلبهم وجيها، ولكنّهم أخطؤوا العنوان، كما أخطؤوا الصمت على علمانيّة فاسدة لم تنتج غير الإستبداد. فليس المشكل في العلمانيّة ولكنّ المشكل في المطالبين بها، لأنّهم كانوا تحت نظام علماني لم يكن له من العلمانيّة غير الإسم ورغم ذلك لم يكلّفوا أنفسهم الخروج ولو ساعة زمن للمطالبة بالحرّيّة لأنفسهم و لغيرهم، ولكنّهم آثروا الصّمت، بينما يخرجون اليوم للتٍظاهر في ساحة الثّورة "ساحة المسجد الأموي" تحت حماية القادمين الجدد.