أياً كان تأويل الصراع بين يعقوب وربه كما يورده سفر التكوين، تبقى فكرة المواجهة مع " الله" تظلل كل التأويلات، فالتفسير اللغوي بجعل اسم يعقوب هو إسرائيل وأصلها "صرع-إيل"(أي مصارع الرب)، والتفسير الفرويدي يربطها "بعقدة أوديب" والمواجهة مع السلطة الأولى، ويتسامى يوشع النبي بهذا الصراع من مستواه البدني العضوي إلى مستواه الروحي كدأب تحايلات التأويل المعهودة للمقدس، وما يجمع كل هذه التأويلات " هو المواجهة مع الرب" إلى حد الوصول لنقطة "يتوسل فيها الرب لمصارعه قائلا " أطلقني لأنه طلع الفجر"....
إن ثقافة القوة المطلقة هي القيمة العليا في المنظومة القيمية اليهودية الإسرائيلية الصهيونية، وهي قوة لا تستجيب لفكرة الحدود(حتى مع الله)،ولا لفكرة الميدان( فهي قوة عضلية وعقلية ، تتبدى في التركيز في الكتابات الصهيونية على ريادة اليهود في العلوم وعدد الحاصلين على جوائز نوبل..).
إن مجتمعا مبني على "توسل الرب له ليطلقه" يستحضر سؤالا مباشرا، إن كان الأمر صحيحا فما تفسيره، وإن كان الامر اسطورة فلماذا تمت صياغتها بهذه الكيفية في أدبيات هذا المجتمع؟ فلم تعرف أي ثقافة انسانية صراعا مع القوة المتعالية إلا من باب الخضوع لها بكيفية أو أخرى إلا الثقافة اليهودية.
هذه الثقافة هي التي تجعل الحرث والنسل من الأغيار(the goyim) ملك لنسل " مصارع الرب"، وهي التي تبرر له استباحة كل المقدسات لكل الشعوب ، وهي التي تضفي شرعية على القتل والتدمير والتعذيب ، وتمنحه صك إقرار بحقه في أن يكذب ويتلاعب ويُفسد ويمتلك كل سلاح ويمنع الآخرين من امتلاكه، هو الانسان وغيره دون ذلك، ألم يمنحه ربه " المهزوم أمامه" حق الجلوس على عرشه..
بدون انفعال، وفي حدود حصيلتي المعرفية، فإن المجتمع الإسرائيلي هو " أقذر" مجتمع عرفته البشرية، فهو مجتمع ينطوي على كره تاريخي لكل شيء، وهو تجميع لكل آثام الوعي واللاوعي التاريخي، وهو مفارق للتطور القيمي الانساني( فهو آخر استعمار يعاند حركة التاريخ)، وهو نتاج مجتمع علماني يصر على اسطورته التاريخية، وهو المجتمع الذي يمارس الانتقام من الحضارة التي منحته ما لم تمنحه غيرها، وهو مجتمع مسكون بغلبة "يعقوبه" على "يهواه"....إنه مجتمع مريض...لكن الأكثر منه مرضا ذلك الذي يتصالح مع مثل هذه " الرذيلة التاريخية"....وبدون ربما هذه المرة.