حول قرار البنك المركزي الإبقاء على نسبة الفائدة المديرية العالية بدون تغيير

(1) يقول البيان: على الصعيد الدولي، تميزت سنة 2024 بتقدّم كبير أحرزته البنوك المركزية في تحقيق مهمتها الرئيسية المتمثلة في استقرار الأسعار. فقد أصبحت معدلات التضخم قريبة من الهدف في معظم البلدان.

وأقول: إذا كان هناك تقدّم كبير في بلوغ الأهداف المرسومة من طرف الدول المتقدّمة وهناك بطء كبير في تونس لبلوغ ذلك، فهذا يعني أن مفعول السياسة النقدية على التضخم مرتبطة بالسياق، فهي ذات فاعلية أكبر في الدول التي يكون فيها المصدر الرئيسي للتضخم المالي نقدي، بينما في تونس المصدر الرئيسي للتضخم المالي حقيقي وليس بنقدي، فهو لا ينبع من إفراط في الطلب أي في الاستهلاك بقدر ما هو ناتج عن نقص في العرض أي في الإنتاج أي أن الأسباب الحقيقية في تونس والتي تسببت في ارتفاع معدّلات التضخم المالي هي العراقيل العديدة التي تعيق الاستثمار الخاص وخلق الثروة فينتج عن ذلك خلل في سوق السلع والخدمات ترتفع على إثرها الأسعار.

هذه العراقيل يمكن تلخيصها في نسب الجباية العالية، في التعقيدات الإدارية وفي مناخ الأعمال غير الملائم للاستثمار. هذا من مسؤولية الدولة وهي المتسببة في هذا التضخم المالي. لكن البنك المركزي هو كذلك يتبع سياسة الفائدة المرتفعة أو السياسة النقدية الحذرة وهي من العراقيل المعيقة للاستثمار الخاص وخلق الثروة، علاوة على التناقضات الكبيرة التي يعيشها البنك المركزي بمنحه 14 مليار دينار كاملة لتمويل نفقات الدولة على حساب تمويل القطاع الخاص وهي من المعيقات الكبيرة للاستثمار الخاص وخلق الثروة في حين يضيّق الخناق على تمويل الاستهلاك الخاص والحال أن هذا الإقراض المباشر للدولة سيوجّه الى تمويل النفقات الاستهلاكية للدولة. فهذا التوجّه للبنك المركزي سيزيد في خنق الاستثمار الخاص وسيقلّص فرص خلق الثروة وسيعيق بلوغ هدف نمو اقتصادي ب3.2% للسنة القادمة وبالتالي سيسهم في ارتفاع معدّلات التضخم المالي.

(2) يقول البيان: من المتوقع أن يدعم تراجع الضغوط التضخمية والتيسير النقدي في الاقتصادات الرئيسية النمو الاقتصادي، الذي أثبت مرونته بالرغم من السياق الدولي الذي يتسم بتعدد المخاطر وحالة عدم اليقين.

أقول: البنك المركزي يقرّ بجدوى التيسير النقدي وخفض معدلات الفائدة لدفع النمو الاقتصادي وهو توجّه ذهبت فيه جل البنوك المركزية في العالم لدفع النمو الاقتصادي بعد الركود الذي شهده العالم على إثر الأزمات العالمية المتلاحقة من أزمة الجائحة الصحية الى أزمة الصراع في أكرانيا. لكنه لا يذهب فيما ذهبت فيه هذه البنوك المركزية بالرغم من أن مفعول سياسة التيسير النقدي تكون أكثر فاعلية في تونس ممّا هي عليه في الدول المتقدّمة. فمعيقات النمو الاقتصادي في تونس عديدة ومتشعبة وهي تفوق معيقات النمو في الدول المتقدّمة وبالتالي يكون التضخم المالي في تونس أكثر حساسية لهذه المعيقات من الدول المتقدّمة وأقل حساسية لضغط الطلب وبالتالي نحتاج في تونس الى سياسة التيسير النقدي أكثر مما تحتاجه الدول المتقدمة. علاوة على ذلك ففي تونس، المصدر الأساسي للنمو الاقتصادي في تونس هو الطلب الداخلي وبالتحديد الاستهلاك الخاص وهو المحرّك الأساسي للنمو الاقتصادي في تونس. ففي تونس 2024، الناتج المحلي الإجمالي هو في حدود 166.2 مليار دينار، 128.5 مليار دينار (أي 77.3%) ممثّلا في الاستهلاك الخاص وبالتالي هذا المحرّك هو المحرّك الأساسي للنمو الاقتصادي الذي وجب دعمه وليس تعطيله، فهو الضامن الرئيسي لرواج السلع والخدمات التي تنتجها المؤسسات الوطنية وبالتالي الدافع الرئيسي لخلق الثروة المنتجة.

(3) يقول البيان: على الصعيد الوطني، استمر النمو الاقتصادي في اتباع منحنى تصاعدي (من 0.4% خلال الربع الأول الى 1% في الربع الثاني الى 1.8% خلال الربع الثالث من سنة 2024)، مدعوماً بزيادة ملحوظة في الطلب الداخلي (4.1% مقابل 2.6% في الربع الثاني من 2024 ).

أقول: إذا كان البنك المركزي يقر أن المتسبب في هذا المنحى التصاعدي للنمو الاقتصادي، هو الطلب الداخلي، أي الاستهلاك الخاص. فلماذا يواصل في اتباع سياسة نقدية تعاقب هذا المحرك أو تعيقه نحو التقدم أي بالمفهوم العامي "إذا كان البنك المركزي يعرف أن اللي قاعد يحرّك في النمو الاقتصادي هو الاستهلاك الخاص علاش يحط في العصى في عجلة هذا المحرّك ". علاوة على ذلك تذهب الدولة خلال السنة القادمة في مزيد تعطيل هذا المحرّك عبر سن القانون الجديد للشيكات وهي التي تريد أن تبلغ نسبة نمو ب3.2% العام القادم بقانون مالية رفّع في جباية المؤسسات وفي جباية الطبقة المتوسّطة ووجّه كل السيولة النقدية الى تمويل نفقات الدولة على حساب المستثمرين.

فإذا استندنا الى الميزان الاقتصادي، نجد بوضوح هذا التضارب بين سياسة البنك المركزي المعيقة للاستثمار وللاستهلاك من ناحية وسياسة الدولة التي تريد أن تبلغ نسبة نمو ب 3.2% عبر الترفيع من نمو الاستهلاك من 1.7% في هذه السنة الى 2% خلال السنة القادمة ومن نمو الاستثمار من 4.6% الى 6.7% خلال السنة القادمة. وهل يمكن بالإجراءات التي ذهبت فيها الدولة في قانون المالية للسنة القادمة يمكن الترفيع من نسبة نمو قطاع البناء والأشغال العامة من -3.9% خلال هذه السنة الى 3.5% وقطاع صناعة مواد البناء والخزف والبلور من -5.1% الى 6% خاصة وأن البنك المركزي لا يزال يصر على نسبة فائدة عالية. وكيف يمكن من الترفيع في نسبة نمو قطاع النسيج والملابس والجلد من -5.3% الى 2.6% وقطاع المناجم من 3.4% الى 28%، أليس هذا من ظرب الخيال. وإذا لم نتمكن من ذلك كما لم نتمكن خلال هذه السنة من تحقيق 2.1% وخلال السنة الماضية 1.8% فالتداعيات ستكون سلبية على الموارد الذاتية للدولة وبالتالي على سياسة الاعتماد على الذات نفسها والتي تريد الدولة تجسيمها على أرض الواقع.

(4) يقول البيان: ومن المتوقع أن تؤدي الزيادات المرتقبة في الأجور، سواء في القطاع الخاص أو العام، إلى إبطاء وتيرة انخفاض التضخم في الأجل القصير. قد تسبب هذه الزيادات ضغوطاً على تكاليف الإنتاج وتحفيزاً إضافياً للطلب في ظل ضعف الديناميكية الحالية لقدرات الإنتاج.

أقول: إذا كانت هناك زيادات مرتقبة في الأجور، فهي بوتيرة أقل من التضخم المالي، وإن كان البنك المركزي يعتبرها مصدرا للتضخم المالي، فهو المسؤول الأول على ذلك بما أن هذه الزيادات هي ممولة أساسا بالإقراض المباشر الذي منحه للدولة بمفعول قانون المالية للسنة القادمة. فإذا كان فعلا متخوّفا من ذلك، فليعلن صراحة أن هذا الإقراض ستكون له تداعيات تضخمية. أنا أعرف أن هذا القرار خارج عن إرادة البنك المركزي وهو لا يتحمل أية مسؤولية على ذلك بما أن البرلمان هو من صادق على ذلك وعلى البنك المركزي تنفيذ هذا القرار. لكن على البنك المركزي، وهو المستشار المالي للدولة حسب قانونه الأساسي، أن يحذّر صراحة الدولة من مثل هذا الإجراء وأن يجعله النقطة الأساسية التي جعلته يتّخذ مثل هذا القرار وهو الإبقاء على نسبة الفائدة المديرية بدون تغيير.

5)) يقول البيان: ويبقى المسار المستقبلي للتضخم محاطاً بالعديد من المخاطر التصاعدية. وسيعتمد بشكل كبير على تطور أسعار المواد الأساسية والمواد الخام دولياً، والقدرة على إدارة اختلالات المالية العمومية.

أقول: يشير البنك المركزي الى أن عدم القدرة على إدارة إخلالات المالية العمومية ستكون المحدد الرئيسي في إدارة التضخم المالي في تونس. لكن من ستأتي هذه الإخلالات إن لم تكن من تسهيل تمويل نفقات الدولة عبر الإقراض المباشر ب7 مليار دينار، فالبنك المركزي، وهو يقرض مباشرة الدولة لدعم ميزانية الدولة يبدي تخوّفا من ذلك على التضخم المالي. أ فبعد هذا التناسق والتناغم بين الحكومة والبنك المركزي من تناغم أفضل، نقدّم السمّ في الدسم ونحذّر من تناوله.

Commentaires - تعليقات
Pas de commentaires - لا توجد تعليقات