تحوّل يوم الجمعة 3 جانفي 2024 الى سوريا وفد مشترك ألماني فرنسي يراسه وزير خارجية فرنسا و وزيرة خارجية ألمانيا استقبله في المطار وفد يمثل السلطة الجديدة و منذ نزول الوفد الزائر من الطائرة ظهر جليا ان اللقاء بين الوفدين لا يكون بالمصافحة حيث لم يمدّ أعضاء الوفد السوري أيديهم للضيوف و اكتفى كل واحد منهم بالتحية برفع اليد اليمنى في اتجاه الزائر ثم وضعها على الصدر ناحية القلب و قد أدرك الضيوف انه لا مجال للمصافحة وحينما دخل أعضاء الوفد الزائر قصر الشعب كان في انتظارهم احمد الشرع و مرافقوه. لم يمدّ اعضاء الوفد الزائر ايديهم للمصافحة و كانت تتقدّمهم وزيرة الخارجية الألمانية التي حيّت أحمد الشرع ولم تمدّ اليه يدها للمصافحة و كان يتبعها وزير خارجية فرنسا الذي دلّت حركاته أنه ينوي التصرّف مثلها بمعنى الاقتصار على التحية دون المصافحة إلاّ أنّ أحمد الشرع فاجأه بأن مدّ إليه يده للمصافحة فاستجاب له وتمتّ بينهما بأصابع اليد لا اكثر.
يبدو من خلال هذا المشهد ان السلطة الجديدة في سوريا رتّبت نظام بروتكول استقبال الضيوف يقوم على التمييز بين المرأة و الرجل حيث يصافح الرجال بعضهم بعضا و يقتصرون على تحيّة النساء عن بعد.
مصافحة المرأة في الفقه الاسلامي
لا شك ان تصرف أحمد الشرع له خلفية دينية إسلامية بمستندات فقهية اذ يستند القائلون بتحريم المصافحة بين الرجل و المرأة الى مجموعة من الروايات التي يجعلونها جزءا من التشريع الإسلامي كالخبر المنسوب الى معقل بن يسار الذي يقول : "قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : "لئن يطعن في رأس أحدكم بمخيط من حديد خير له من أن يمس امرأة لا تحل له. " و خبر أخر عن أميمة ابنة رقيقة قالت فيه: " قال رسول الله صلى الله عليه و سلّم: إنّي لا أصافح النّساء".
كما يستندون الى حديث ثالث منسوب الى عائشة بنت ابي بكر زوجة النبي : ما مست يد رسول الله يد امرأة قط إلا امرأة يملكها.
ودون التوسع في الجدل الفقهي فإن كل هذه الروايات يمكن الطعن فيها إما لأنها ضعيفة السند أو أنها ليست من أحاديث الرسول بل هي من صنف الروايات التي تنسب اليه أحاديث لم تصدر عنه مباشرة بل هي منقولة عنه ، هذا من جهة ومن جهة اخرى فهي لا تعني التحريم فعدم مصافحة الرسول للنساء لا يمكن اعتبارها بالضرورة تدخل في مجال التشريع إذ ليس في هذه الرّوايات لفظ التحريم أو مشتقّاته و رغم ذلك اعتمد عليها الفقهاء الذين يقولون بتحريم المصافحة بين الرجل و المرأة و من بينهم الشيخ العلاّمة الإمام محمد الطاهر بن عاشور الذي يشيد الكثيرون بمعالم التجديد لديه حيث يقول :
حكم الشرع وما قول المذهب المالكي في تسليم المرأة على الرجل باليد ؟ "التحريم هو المعتمد عندنا في المذهب و هو قول كافة المذاهب" .
ورغم ذلك تبقى المسألة خلافية فجمهور العلماء من اهل السنة قالوا بالمنع غير ان أحمد بن حنبل فى رواية قال بكراهة مصافحة المرأة الأجنبية فى رواية منقولة عنه فى دواوين المذهب الحنبلى ويجوز تقليدها عند الضرورة وفق ما جاء في فتوى صادرة عن دار الإفتاء المصرية حول السؤال " ما حكم المصافحة بين الرجل والمرأة؟ [1] ".
ومن الواضح ان هذا التحريم يدخل في باب ما يسميه الفقهاء بسد الذرائع ( اذا كان الفعل السالم عن المفسدة وسيلة للمفسدة منع من ذلك) لأنه يحول دون استيقاظ دوافع الشهوة الجنسية المحرمة.
عدم مصافحة النساء تصور مجتمعي له جذور في الثقافة الإسلامية
بعيدا عن هذا الإجماع السنّي فإننا نلاحظ اليوم أن هذا السلوك لا يقتصر على الجماعات الإسلامية المتشددة فحسب بل هو شائع في تونس لدى كثير من المتدينين نساء و رجالا حيث يحرّمون المصافحة بين الجنسين.
اننا امام تصور مجتمعي شبه سائد لدى الجماعات المتدينة لجسد المرأة وله بلا شك جذور في الثقافة الإسلامية. لن نأخذ على محمل الجد كل السرديات الدفاعية المتعلقة بمكانة النساء المتميزة في الإسلام فنحن نعرف انها بعيدة عن الواقع كما نعرف أن المرأة عانت على مدى قرون في العهود الإسلامية جميعا من التمييز والظلم ولا تزال تعاني كل أشكال التهميش في مجتمعات ذكورية لم تعترف لها باي حق في بعض البلاد الإسلامية كحقها في التعليم مثل هو الامر اليوم لدى طالبان في أفغانستان.
لقد ظل جسد المرأة ولا يزال لدينا مسكونا بالفقه الديني . وإن رفض الحداثة بما هي في ابسط تعريفاتها تحرير للفرد وانتصار لحريته جسدا وعقلا، ينصب عندنا أساسا على جسد المرأة ومنزلتها .
فمن يرفض مصافحة النساء لا يرى فيهن غير موضوع لشهوته ومس من طهارته اذ ان المصافحة ينتقض بها الوضوء كما هو الامر لدى بعض المذاهب السنية كالشافعية وهكذا يحيل لمس جسد المرأة على عالم النجاسة المناقض لعالم الطهر والعفة .
من الغريب أننا مازانا نستند في حريتنا ومنعنا الى مفاهيم وتصورات تعود الى ما يقارب الالفي سنة فمتى نكف عن فعل التجريم و التحريم باسم روايات لا أحد بمقدوره الجزم بصحتها وباسم جسد منحه البعض قداسة لا دلالة قرآنية عليها ؟
دون ذلك لا يمكن للثقافة الإسلامية أن تعيد الى جسد المرأة إنسانيته كامل الإنسانية جسد لا يختلف في الآداب الاجتماعية والسلوكيات الأخلاقية عن جسد الرجل وليس كجسد أنثى باعثة على الشهوة هذا الجسد الذي سلبته قرون الكبت الجنسي و صفحات الفقه المظلمة حريته وانسانيته .
عدم مصافحة النساء يثير جدلا في الغرب
أثارت مسالة عدم مصافحة بعض المسلمين للمرأة في الغرب غضبا من هذا السلوك الذي يرون انه غير لائق وغير حضاري و استنكاراواسعا له فقد كشفت وسائل إعلام سويسرية في 2016 عن إعفاء ممنوح لتلميذين سوريين في الرابعة عشرة والخامسة عشرة من عمرهما في ثانوية ثرويل بعدم مصافحة المعلمات.
وأدانت وزيرة الداخلية السويسرية سيمونيتا سوماروغا وقتها الإعفاء. وتأجج الجدل لكون عائلة التلميذين طلبت الحصول على الجنسية السويسرية. فقد وصل والد التلميذين وهو إمام مسجد مثير للجدل إلى بازل في سويسرا عام 2001 قادما من سوريا طالبا اللجوء ، لكن ألغت سلطات كانتون ريف بازل الإعفاء الممنوح للطالبين المسلمين بناء على قرار مجلس الكانتون وقالت السلطات إنه "يمكن للمعلمة أن تطلب" من تلميذ مصافحتها باعتبار ذلك بادرة تنم عن الاحترام، وإن التلميذين رفضا ذلك بدافع الجنس والدين. واعتبرت سلطات الكانتون التي لجأت إليها إدارة المدرسة للفصل في هذه المسألة في بيان أن" المصلحة العامة المتصلة بالمساواة بين الرجل والمرأة وكذلك دمج الأجانب أهم من حرية المعتقد عند الطلاب ".
وكما هو منتظر فقد تلقفت الصحافة الغربية حادثة أحمد الشرع إذ نشرت جريدة Le point الفرنسية مقالا لها بعنوان La poignée de main qui provoque un tollé en Allemagne المصافحة التي اثارت ضجة في ألمانيا .
وقالت الصحيفة انه في مفارقة عجيبة ذهبت الوزيرة الألمانية الى سوريا لتمد يدها الى النظام الجديد ولكن هذا النظام يرفض مد يده للوزيرة و أكّدت الجريدة في مقالها ان هذه الحادثة ليست بسيطة ولا هي جزئية لأنها تنم عن توجهات النظام الجديد في سوريا و ستدفع كثيرا من اللاجئين السورين في ألمانيا وغيرها من البلدان الغربية وخاصة النساء الى التوجس من النظام الجديد وعدم التسرع في العودة الى بلادهم.
بداية مثيرة للمخاوف
ان سلوك احمد الشرع ومعاونيه لا يقدم صورة إيجابية عن السلطة السورية الجديدة و قد يعقّد وضعها تجاه الدول الغربية فتضع مزيدا من الشروط لرفع العقوبات المفروضة على البلد منذ اكثر من عشر سنوات و التي كان لها تأثير سيّئ على اقتصادها و ستزداد مضاعفاته حدّة اذا لم ترفع تلك العقوبات لاسيّما بعد ان انقطعت معاملات سورية التجارية مع إيران التي كانت تزوّد سوريا بالطاقة و بغيرها من المواد التي كانت في حاجة إليها و يتنافى سلوكه مع منطق الدولة و هو الذي بدأ يجسّد هذا المنطق من خلال جمع السلاح في يد الدولة و السعي الى نزعه عن غيرها من المنظمات و الجماعات.
ويقتضي منطق الدولة المصافحة بين الجنسين في الملتقيات الدولية. وهو ما يذهب اليه الدكتور سالم عبد الجليل وكيل وزارة الأوقاف المصرية الأسبق الذي .
يرى أن مصافحة الرجل للمرأة حرام شرعا غير انه يجوز في بعض الأحيان ولكن في حدود ضيقة او إذا اضطر لذلك الشخص كأن يكون في بروتوكولات كحضور احتفال او مؤتمر مليء بالسيدات وإذا بسيدة مدت يدها تصافح رجلا؛ فلا يمكن ان يردها او يرفض المصافحة [2].
ومهما يكن موقف احمد الشرع الشخصي من مسالة المصافحة فانه سوف يقع لا محالة بين تيار محافظ جدا يسير على وقع فكر الجماعات الإسلامية المتشددة بعيدا عن منطق الدولة و بين تيار يدرك منطق الدولة حيث تمّت تسمية امرأة وهي الدكتورة ميساء صابرين على رأس أهمّ مؤسسة مالية في الدولة وهي البنك المركزي و تسمية امرأة محافظة للسويداء وهي محسنة المحيثاوي.
وفي المحصلة فانه من السذاجة ان نهون من حادثة رفض مصافحة المرأة لأنها تثير كثيرا من المخاوف الجدية حول ملامح الدستور الذي سيكتبه السوريون مستقبلا وعن وضعية المرأة والأقليات صلبه وهي مواضيع ذات حساسية مفرطة ولن يكون الحسم فيها هينا بالمرة ولقد عشنا ذلك في تونس في كتابة دستور 2014 من خلال رغبة بعض النواب الإسلاميين المحافظين في إدراج الاسلام كمصدر من مصادر التشريع وكموضوع المرأة باعتبارها مكملا للرجل غير ان القوى التقدمية و النخب المدنية تصدت لذلك كما أن المرونة التي أبدتها حركة النهضة الحائزة على أكبر عدد من المقاعد في المجلس الوطني التأسيسي كان لها دور أيضا في حسم النقاش في اتجاه دولة مدنية متحررة من قيود الشريعة . فهل تتمكن القوى المدنية في سوريا من التصدي لكل نزعات النكوص التي قد تفضي الى خلافات لا أحد بمقدوره التنبؤ بمالاتها في بلاد يتكدس فيها السلاح وتشقها صراعات طائفية غذّاها نظام بشار المخلوع
الهوامش
[1] ما حكم المصافحة بين الرجل والمرأة؟ . الإفتاء تجيب » صدى البلد 14 اوت 2021
[2] المرجع السابق