غزّة الشهيدة الوحيدة المحاصرة تنتصر وتستعد لتعيش بهجتها…

المقاومة لا تُمضي على اتفاق وقف إطلاق النار مع الكيان فحسب. إنّها تمضيه مع كلّ الشركاء في جريمة الإبادة من دول الغرب الأوروبي والأمريكي وعلى رأسهم الإدارة الأمريكيّة.

فتحَت الولايات المتّحدة الأمريكيّة خزائن المال والسلاح أمام دولة الكيان الوظيفيّة. وأرسلت الخبراء والمرتزقة. وجنّدت الحكام العملاء من بقايا نظام الاستبداد العربي في مواجهة غزّة المحاصرة منذ عقدين على أمل كسر مقاومتها وتهجير أهلها.

ولكن الطلقة الأخيرة والكلمة الأخيرة كانتا للمقاومة، بعد حوالي سنة ونصف من مواجهة لا تتوقّف. ومع الساعات الأولى من إمضاء الاتفاق سيعرف العالم من المنتصر أخلاقيّا وسياسيّا وميدانيّا رغم حجم الدمار ونهر الدماء وفضاعة الجرم الذي سلّط على أهل غزّة. سيعرف العالم من المنتصر مع خروج أهل غزّة، وبروز المقاومين من عقدهم القتاليّة.

خُذل أهل غزّة من قبل الأخ والقريب، وتُركوا لمصيرهم إلاّ من إسناد محمود مشكور لم يُسعف أصحابَه بالربط العضوي مع استراتيجيّة الطوفان نتيجة الارتهان إلى استراتيجية موازية أملت "قواعد اشتباك" لم يُتخَلّ عنها عندما وجب التخلّي.

ولئن مثّل الخذلان حالة مخزية فإنّ ما تولّد عنها من درجة احتقان وتوتر مرتدّة إلى الداخل باتجاه نظام الاستبداد أثمر انتصارا استراتيجيّا في سورية، وستثمر غيره. وقد كان انتصار الثورة السورية نتيجة مباشرة للفجوة الاستراتيجيّة التي أحدثها الطوفان في السياق في المنطقة.

الكيان مرعوب من الاتفاق، رغم اختلاف درجة الرعب وأسبابه من نتنياهو إلى كلّ القيادة السياسيّة والعسكريّة. فنتنياهو كان يرى أنّ "اليوم التالي" يبدأ مع اختفاء حماس. ولذلك كان يواجه من قبل خصومه السياسيين بسؤال عن اليوم الذي يتمّ فيه القضاء على آخر حمساوي. وها هو اليوم يُمضي مع حماس صاغرا تطارده جريمة الإبادة الجماعيّة قضائيّا وتواجهه الأزمة السياسيّة المؤجلة التي لن تهدّد مستقبله السياسي فحسب وإنّما ستكون من أسباب تفكك قد تمتد من السياسة إلى المؤسسات. وقد يكون توقيع الاتفاق من أسباب تفعيلها.

إمضاء الاتفاق لا ينفصل عن حالة الإنهاك التي أصابت عدّة قوى وفي مقدّمتها الكيان. وقد تواترت تقارير عدّة حول حالة الإجهاد التي عليها فرق العدو العسكريّة العشر. وأنّ المشكل صار متعلّقا بمن يحمل السلاح أكثر من توفّر السلاح نفسه. وفي هذا السياق تبدو عربدة جيش الكيان في الجولان ومحيطه علامة ضعف وليست علامة قوّة. أراد بها نتنياهو التغطية على ارتباكه أمام الحدث السوري المفاجئ وقد ساهم فيه رغما عنه.

ورغم حالة الدمار الشامل وحجم المعاناة فإنّ صمود أهل غزّة الأسطوري وبلاء المقاومة البطولي غير المسبوقين في تاريخ حركات التحرر سيجعل الكلمة الأخيرة لأصحاب الحق.

إمضاء الاتفاق مع المقاومة التي أراد محوها وأهلها، يدمي الكيان ويذلّه. وهو في الوقت نفسه لم يعد يملك شروط مواصلة الحرب، وقد عبّر الشريك الأمريكي عن ضجره من تواصل حرب لم تحقق أهدافها وفقدت جدواها مع تصاعد عمليات المقاومة قبل إجراء الاتفاق بساعات ولا تختلف في عنفوانها عن عمليّاتها في أيام الطوفان الأولى. ثمّ إنّ الكيان سيجتهد في الاتفاق على الاتفاق وتطبيقه والتصرف فيه بما يناسبه ولكنه في كلّ الحالات هو غير قادر على استئناف القتال وتجديد العدوان.

وأفضل ما يعبّر عن هذه الحالة تسجيل صوتي بثّته قناة الجزيرة هذه الأيام لمن أسمته ضابطا رفيع المستوى في جيش الكيان جاء فيه " إنّ تكتيك المداهمات استهلك نفسه، وحماس تعزّز قوتها وتنفّذ هجمات على قواتنا أكثر من السابق. وبالرغم من الدمار ومن إنجازاتنا فإنّ مستوى الهجمات التي تنفذها كتائب حماس في القطاع يتصاعد، يجب تغيير نهجنا، فالوضع الحالي ندفع ثمنه بالدماء. وقد استأنفت حماس إنتاج الوسائل القتاليّة بما في ذلك الصواريخ".

وفي المقابل لا يمكن التهوين من حجم الإبادة الذي أصاب أهل غزّة وما يحتاجه الحال من ترميم شامل وإعادة تأهيل للإنسان المبتلى. وما يمكن أن يقوم من عراقيل في سبيل الإغاثة وتخفيف الجراح وإعادة الإعمار. والمنتظر أن يكون رفع الحصار وإعادة إعمار غزّة عنوانا كبيرا عربيا ودوليّا ليتأكّد الانتصار الاستراتيجي الثاني برسم الطوفان.

هو نصر لغزّة وحدها ولكنّ كرمها ونبلها سيجعلانها تمدّه إلى من خذلها من محيطها العربي من النخب المنهزمة. وستكون أكثر سخاء مع أحرار العالم في الغرب الذي تحرك في جامعاته وميادينه ضدّ جريمة الإبادة.

إنّه الطوفان محطّم السرديات الظالمة ومفكك الاستراتيجيات التوسعية الواهمة وصانع الانتصارات الإستراتيجية الباهرة.

دم الشهداء ما يمشيش هباء…

Commentaires - تعليقات
Pas de commentaires - لا توجد تعليقات