مع إصرار ترامب على مشروع التهجير لسكان غزة، واقتراح نتنياهو أن يكون التهجير الى السعودية، واتهاماته لمصر بأنها هي من تعيق هجرة أهل غزة للخارج بعد أن دمر كل مقومات الحياة فيها، اقترحت مصر عقد قمة عربية في 27 من الشهر الحالي لتدارس الوضع، وهو ما يفرض سؤالا محددا هو : هل ستكون النتائج كما تساءل المتنبي عن العيد : فيما مضى أم لأمر فيك تجديد ؟
إن العودة لبيانات الشجب والتنديد تعني أن عدم عقد القمة سيكون هو البديل الأفضل، فأية قرارات لا تتضمن خطوات عملية واضحة بوضوح صمود غزة ودمائها ودمارها هي موافقة ضمنية على خطة ترامب ونتنياهو حتى لو صاغها خطيب العرب سحبان وائل.
من الضروري أن تتضمن أية قرارات ثلاثة عناصر واضحة:
أ- المطالبة باعتراف الولايات المتحدة بدولة فلسطينية على حدود عام 1967 وعاصمتها القدس من خلال قرار في مجلس الأمن الدولي قبل نهاية آذار /مارس القادم ، وفي حالة عدم الإقرار الأمريكي بذلك تعتبر الدول العربية نفسها في حل من كل الاتفاقيات مع إسرائيل ووقف التطبيع كليا بما في ذلك عبور الطيران الإسرائيلي الأجواء العربية ، وإغلاق مقر الموساد في الدوحة.
ويجب أن يكون نص القرار الدولي واضحا لا لبس في صياغته، ويعني تفكيك كافة المستوطنات المقامة على أراضي 1967 وهضبة الجولان ، وتشكيل لجنة من الدول الدائمة العضوية لمتابعة تنفيذ القرار.
ب- إن قرار رفض التهجير يستوجب توفير الحياة الكريمة لسكان غزة والضفة الغربية لضمان قدرتهم على الصمود ، وهو ما يستوجب امرين هما : أولا: إنشاء صندوق عربي إسلامي فوري لجمع الأموال لإعمار غزة ، على أن تبدأ دول الخليج بوضع مبلغ أولي لا يقل عن عشرة مليارات دولار ( ترامب حظي ب 600 مليار دولار) قبل شهر أبريل القادم، على أن يشرف على إدارة الصندوق مندوبين وخبراء عرب ومسلمين، وثانيهما تراجع كل الدول التي أوقفت مساعداتها لوكالة غوث اللاجئين الفلسطينيين عن قراراتها ،وحث الدول كافة على زيادة المساهمات في ميزانية الوكالة بخاصة في ظل الظروف الحالية .
ت- أن يكون معبر رفح خاضعا لسلطة مصرية فلسطينية فقط ، فهو معبر يقع ضمن سيادة هذين الطرفين ، واي تواجد خارجي فيه غير مقبول ، ويمكن ان يكون هناك مندوبين للأمم المتحدة يقومون بعملية المراقبة لمدة لا تتجاوز العامين مع جواز تمديدها طبقا للظروف القائمة حينها. ومن الضروري ان يجري التحري عن ما تروجه وسائل إعلام كثيرة عن "الابتزاز المالي" لشركات مصرية خاصة تنظم خروج سكان غزة للعلاج ،ناهيك عن استبدال المساعدات بأخرى اقل جودة و أحيانا سرقتها ، وهو امر يجب التحري عن دقته ووقفه فورا في حالة حدوثه فعلا.
ماذا يعني ذلك:
من الضروري أن تترك بقية قضايا الموضوع الفلسطيني الى مرحلة ما بعد قيام الدولة الفلسطينية وسيادتها الكاملة غير المنقوصة على أراضي 1967( قضايا مثل اللاجئين، المياه، الأماكن الدينية...الخ)، ثم تتخذ القيادة الفلسطينية للدولة الوليدة كاملة السيادة الموقف الذي تراه مناسبا تجاه تللك الموضوعات المتبقية.
إن أي قرار دولي بالكيفية التي اشرنا لها يعني تفكيك المستوطنات ، وهو ما يعني تفكيك 176 مستوطنة و 186 بؤرة استيطانية ويسكنها جميعا حوالي( 780 الف ) مستوطن، منهم حوالي 67% متدينون(حريديم أو الصهيونية الدينية) والباقي من العلمانيين ، وطبقا لانتماءات المستوطنين بخاصة الدينية فان أي قرار من الحكومة الإسرائيلية بتفكيك المستوطنات ينطوي على احتمال نشوب حرب أهلية بين اليهود، فتضطر لرفض قرار قيام الدولة الفلسطينية ، وهو ما يجعل إسرائيل تقف وحدها في مواجهة العالم كله.
الخلاصة:
أتمنى أن لا يتم عقد القمة إذا كانت ستنتهي الى أي من النتائج المحتملة التالية:
أ- الاقتصار على الشجب والإدانة والرفض اللفظي فقط ، لان ذلك يعزز قناعة ترامب التي شرحها بإسهاب بان العرب لا يتجاوزون حدود الصراخ، وهو ما سيشجعه على استمرار التنسيق مع نتنياهو لضمان تنفيذ التهجير.
ب- وقوع خلافات حادة مفتعلة بين الدول الممثلة في القمة العربية بشكل يمنع صدور قرارات جادة وملزمة وواضحة ، أو افتعال خلافات للتغطية على عدم الرغبة في الالتزام بقرارات حاسمة، أو لتبرير الانسحاب من المؤتمر، أو عدم الحضور بخاصة في دول ممزقة مثل سوريا وليبيا والسودان واليمن أو التغيب عن الحضور بأعذار الصحة أو غيرها.
ت- أن يتغيب عدد كاف من القادة العرب ليكون اغلب الحضور من " ممثلين أو نواب " عن قادة الدول لمنح المندوب فرصة التهرب من الالتزام بحجة حدود الصلاحيات الممنوحة له أو للتذرع بانه سينقل القرارات وتفاصيلها للقيادة بعد عودته ليطويها النسيان بعد ذلك.
لست متفائلا مهما كان الضجيج عاليا، فالخبرة التاريخية مع الأنظمة العربية لا تدعو للتفاؤل، فكيف لدول تحميها قواعد أمريكية أو تتغذى على مساعدات أمريكية أن تتحدى؟ أدعو الله أن أكون مخطئا، ولكن علمتني الحياة السياسية العربية انه حتى الكافر لا يلدغ من جحر مرتين، فما بالك بالمؤمن.