فلسطين : ما وراء الأكمة

لعل الإطلال على المشهد الشرق أوسطي وبخاصة في جانبه الفلسطيني يشير الى أن الضغط على المقاومة ومحورها يتلاحق على شكل موجات عاتية كان أولها الاجتياح الإسرائيلي للقطاع وتحويله الى أطلال فيها 50 مليون طن من الركام و 37 مليون طن من النفايات و 7500 طن من الذخائر غير المتفجرة ناهيك عن عشرات الآلاف من الأيتام والأرامل والجرحى، أما الموجة الثانية فهي تصريحات ترامب الهوجاء الخاصة بالتهجير وتملك القطاع ،وهي تصريحات لم تقبل بها حتى الآن أية دولة في العالم باستثناء إسرائيل لكنه مصر عليها بل يزيدها يوميا بقدر اكبر من "اللاعقلانية "، أما الموجة الثالثة فهي معركة الإعمار التي تحوطها عقبات أولها ضيق ذات اليد والتلكؤ الدولي في الإسراع في عمليات إعادة الإعمار، وها هي سلطة التنسيق الأمني تضيف موجة جديدة بوقف وزارة التنمية الاجتماعية دفع مخصصات الشهداء والأسرى وتحويلها الى مؤسسة "التمكين الاقتصادي" التي يديرها مجلس أمناء يعينه رئيس سلطة التنسيق الأمني. .

إن النظر في هذه الموجات يشير بشكل لا لبس فيه الى هدف محدد هو " اجتثاث المقاومة المسلحة من الضفة وغزة لوضع أسس تصفية القضية الفلسطينية، فبعد أن استولت إسرائيل على الجغرافيا تسعى الى تفريغها من سكانها ليتحقق حلم الدولة اليهودية التي يروج لها نتنياهو ويتبناها الطيف اليميني الإسرائيلي، وهو ما يضع قاعدة لعدم استقرار شرق أوسطي قد يدوم لعقود قادمة.

إن قرار سلطة التنسيق الأمني بتحويل صرف مستحقات الشهداء والأسرى هو مساهمة واضحة للمشاركة في اجتثاث أي مقوم من مقومات المقاومة، ثم الانتقال الى مرحلة نقل التنسيق الأمني من الضفة الغربية الى غزة، ويكفي لأي فرد أن يعود الى قراءة الاتفاق المؤقت الإسرائيلي الفلسطيني (التنسيق الأمني) وبخاصة الملحق الأول - البروتوكول المتعلق بإعادة الانتشار والترتيبات الأمنية، والذي يقع في 62 صفحة ويشير الى كيفية العمل المشترك بين أجهزة الأمن الفلسطيني لاجتثاث ما يطلق الاتفاق عليه مصطلح ( العنف والإرهاب)، وينص في مادته الثانية في الفقرتين الأولى والثانية على " منع "كافة أشكال الإرهاب والعنف أو التحريض عليهما في الضفة الغربية وقطاع غزة ، والعمل ضد أية "بوادر" لعمل إرهابي"، ويتحمل المجلس المشترك الفلسطيني الإسرائيلي (مجلس التنسيق الأمني) طبقا لنص الفقرة الثانية من البند 2 –القسم "ج" المسؤولية الكاملة عن جميع شؤون الموظفين الفلسطينيين العاملين في الجناح الفلسطيني بما في ذلك، على سبيل المثال لا الحصر، رواتبهم، والتأمين الاجتماعي، ومطالبات هؤلاء الموظفين فيما يتعلق بتوظيفهم "، ويستوجب ذلك في الفقرة "ج" ما يلي" القبض على مرتكبي أعمال الإرهاب والعنف والتحريض والتحقيق معهم وملاحقتهم قضائيًا وجميع الأشخاص الآخرين المتورطين بشكل مباشر أو غير مباشر في هذه الأعمال"، وهو ما تجري ممارسته الآن في مخيمات ومدن الضفة الغربية، وتضيف الفقرة الثانية من هذا البند " سيتم على الفور إنهاء توظيف رجال الشرطة الذين أدينوا بارتكاب جرائم خطيرة، أو ثبت تورطهم بشكل نشط في أنشطة إرهابية بعد تجنيدهم، وسيتم مصادرة أسلحتهم ووثائق هويتهم الشرطية."، ومعلوم أن إسرائيل تعتبر إعانة اسر الشهداء والأسرى شكلا من أشكال المشاركة غير المباشرة في العمل الإرهابي .

لقد سبق ونبهت مرات عدة أن حلفاء العرب هم خصومهم ، وكم مرة دعوت للاستدارة شرقا من باب "أهون الشرين" ، ونبهت بان ترامب سيطلب تهجير الفلسطينيين الى الأردن ومصر قبل أن يعلن ذلك بفترة طويلة، وها هو نتنياهو يضيف لهما السعودية ، لكن المشكلة إن البني السياسية العربية في وضع اقرب للفراغ التام ، ومحور المقاومة أصبحت اطرافة تتوارى تدريجيا رغم مساهمته الكبيرة التي جعلت إسرائيل في وضع داخلي ودولي لم تعهده من قبل، لكن وضعها الإقليمي يتعزز، وهو ما ستحاول الاستناد له لإعادة موقعها الدولي واستعادة توازنها الداخلي.

أرى أن على المقاومة أن تتوقف عن الرهان على سلطة التنسيق الأمني، فهي ضمن معسكر الأعداء لأنها نتاج تخطيط أمريكي كشفت كونداليزا رايس تفاصيله في كتابها الذي أشرت له عشرات المرات ، وليس أمام المقاومة إلا أن تقول لبيتان فلسطين ما قاله ديغول لبيتان فرنسا :" إن قبول العبودية امر يستطيع عمله أي إنسان ولا يحتاج لبطولة".

Commentaires - تعليقات
Pas de commentaires - لا توجد تعليقات