لا يواجه هذا "الجنون" إلّا بقدر من التحدّي المجنون

بعضهم لم تستفزّهم تصريحات ترامب الوقحة و الفجّة بقدر ما أثارتهم كلمات أحمد داوود أوغلو بشأن غزّة و مستقبلها، مع أنّ ترامب رئيس أكبر إمبراطورية على ظهر البسيطة و أحمد داوود أوغلو مفكّر و رئيس حزب معارض في تركيا، و بالرّغم من قرب تركيا لغزّة و بعد أمريكا عنها تاريخا و جغرافيا.

صحيح أنّ ترامب صفيق و وقح و منتفخ بجنون العظمة لكنّه واضح و صريح و هو الوجه الحقيقي لمنظومة الاستعلاء و الهيمنة الأطلسية الأمريكيّة الصهيونيّة حينما أسقطت قناعها و نزعت قفّازاتها لتتصرّف كما هي بمباشراتية صادمة و موجعة دون بروتوكولات أو ڨاسلين أو مسهّل للهضم.

لا يمكن اعتبار ترامب مجنونا أو غبيّا أو شعبويّا تافها و ما يقوم به هو من قبيل الهرطقة و العبث و الطّنين، و لا يمكن الإستهانة بما يخطّط له فهو بصدد إعادة تشكيل العقول قبل إعادة رسم الخرائط و الحدود.

ما يطرحه من أفكار قد تبدو مستحيلة أو غير قابلة للتّطبيق هو مقصود و ضمن استراتيجية فريق عمله وفقا لنظريّة الدّخان و المرايا و نظريّة إغراق السّاحة و السّيطرة عبر الفوضى ثمّ تثبيت السّردية المفروضة بالقوّة، بحيث يصبح ما كان غير مقبول و غير قابل للنّقاش مستساغا و يناقش، هو أحد أشكال التّطبيع المختلف عمّا كانت تمارسه الإدارة السّابقة بوضوحه و سرعته و عمق أثره.

"سوف امتلك غزّة و لا أشتريها فليس فيها شيء يشترى".

هكذا وجّه ترامب كلماته الى ملك المملكة الأردنية الهاشمية و هو يتحدّث عن غزّة هاشم، فيكتفي الأخير بالهمهمة و ترميش العينين و ضمّ الشفتين و فرك اليدين و التململ في مقعده و كأنّه جالس فوق خازوق، موقف مذلّ و مخز أصرّ ترامب على أن ينقله على المباشر بحضور الملك و وليّ عهده الأمير الوسيم في رسالة مباشرة لأن تكون هذه السّلالة في خدمة مشروع الوكيل الخارجي كما كانت دوما.

موقف يرشح مهانة و إذلالا أراد الجنرال السّيسي دكتاتور ترامب المفضّل أن يتفاداه بمحاولة التهرّب من زيارة قد يحصل له فيها ما لا يحمد عقباه!

كان من الأجدى أن يواجه عاهل المملكة الأردنية الهاشمية ترامب بتذكيره بأنّ غزّة تكنّى بغزّة هاشم و هو أقرب إليها من نصف ألماني نصف انجليزي مهاجر، و كان الأصوب للسّيسي أن يذكّر هذا المتصلّف المتعجرف المتكبّر بأن غزّة كانت مصرية قبل أن يتنازل عنها العسكر الفاشل و أنّه الى يومنا هذا لا تستطيع التّفريق بين ساكن رفح المصرية أو رفح الفلسطينية!

كان من الممكن أن يواجهوا ما يبدو جنونا لترامب بجنون مقابل فذاك عين العقل، لكن من أين لهم هذا العقل؟

كان بإمكانهم مواجهة فتوّته و بلطجيته باستحضار فتوّة أهل الشّرق و حاراته العتيقة الأقدم من أعرق مدينة في الولايات المتّحدة، لكن من أين لهم بجرعة "رجولة" و قد جبلوا على الخيانة و العمالة و الدّياثة؟

الإجابة على ما يطرحه ترامب هو ما قام به الدّنماركيون بطلب شراء كاليفورنيا مقابل رغبته في تملّك غرينلاند، و هو ردّ جنوب أفريقيا على تحرّشه بها ،و هو ردّ الكنديين بمقاطعة البضائع الأمريكيّة، و هو كذلك ردّ رئيسة المكسيك الّتي تمتلك من الشّجاعة و المروءة و الرّجولة ما لا يمتلكه حكّامنا العرب مجتمعين!

و هو جواب أردوغان بإلزام الاحتلال بدفع تكلفة إعادة إعمار غزّة و هو ردّ أحمد داوود أوغلو بطرح فكرة ربط غزّة بتركيا بعد القيام باستفتاء في انتظار قيام دولة فلسطينيّة.

لا يواجه هذا الجنون إلا بقدر من التحدّي المجنون، عصا السّنوار الّتي لم و لن تسقط و سبّابة الملثّم.

Commentaires - تعليقات
Pas de commentaires - لا توجد تعليقات