- انتشار الدرّاجات النارية في الطريق العام، في الساحات العامة، على الأرصفة،… بدون أدنى وسائل الحماية ولا احترام قوانين المرور، ولا حتى التحوّط الشخصي لمجابهة المخاطر القاتلة. ما هي دوافع عدم الاكتراث بقواعد المرور البديهية والمخاطرة بحرمة الجسد الشخصية! هل هي منظومة التربية، العائلة أم مرتبطة اكثر بعلاقة الشباب بالدولة وبالاستبليتشمنت؟ ولماذا؟ أم هي تمظهرات سلوكية لدى الأجيال الشابة وجب فهمها وتحديد مآلاتها الممكنة.
- الحديث بصوت عال في الهواتف، في المقاهي وصالونات الشاي، وفي محطات النقل وفي الصيدليّات والمستشفيات وفي الإدارات، الى حدّ أن تجد نفسك مُجبرا على الاستماع لقصص شخصية جدا! فهل تبدّدت حدودُ بين الفضاء الخاص والعام؟ أم أنّ الفضاء الخاص بات أعمق مـمّا كان عليه سنوات قليلة مضت؟ أم هو ناتج كذلك من المنظومة التربوية والعائلية حيث الكلّ يعتبر أنّ قضاياه الشخصية مهمّة كسائر الناس- حتى وان كانت لذاتها تافهة؟ لماذا لمّا أُخاطب أحدا في الخارج، يقول لي "أنا الآن في الميترو، ولا أستطيع التحدثَ وسأكلّمك فيما بعد؟ ما هو نمط السلوك هذا وماهي محدداته؟
- هيمنة الألفاظ العنيفة والنابية في السَبّ والشتم المباشر التي تتحوّل في بعض الأحيان الى العنف الجسدي في المعاهد وفي السوق، في السينما، أمام بائع الشوارما، بما يتضمن ذلك من سبّ للاب والأم والأخ والأخت والزميلة والزميل والكبير والصغير، وكذلك وقتَ الذروة في السيارات ووسائل النقل العام... (اتركوا بيرم التونسي جانبا لانّ مواقفه منذ عشرات السنين لا يمكن الاعتداد بها حاليا كسائر كل النظريات والتحليلات). ما هذا العنف؟ هل هو اغتراب اجتماعي يمحو الوعي بأفضلية العيش المشترك؟ كيف يمكن تبوييب وُقوف السيارات في كل مكان باعتبار حالة استعجالية سائق(تــ)ها؟ هل في "مخيالهـ (ا)" وقتُهـ(ا) أهمّ من أوقات الأخرين؟ أم هي مجرّد أنانية مُسطّحة؟ هل أنّ مسالة "الوقت" مهمّة في مجتمعاتنا؟ إذن لماذا نحنُ مُــتخلّفون ومُهمّشون ضمن الأمم؟ أم أنّ هناك مُعطىً آخر؟ ما هو؟
- انتشار بيع وشراء الأكلة السريعة المُــضرّة حَــتمًــا بالصحّة حيث البائع في افضل الحالات يضع قُــفازًا واحدًا في يدٍ ويستعمل يديْه الاثنتيْن لمسح الأواني ومسح طاولة العمل وجمع المُهملات، وهي اليدُ ذاتُــها بالقُفّاز ذاتِه التي تقُــوم بإعداد السندويتش أمام مرءى الحريف الذي لا يجرأ على فرض الحدّ الأدنى من قواعد الصحّة. هذا، وقد تشتمّ رائحةَ الزيوت المُستعملة للطهي على بعد امتار من المحلّ.
وبالرّغم من ذلك، يدفع الحريف سعرا يتجاوز مئات المرات إجمالي تكلفة السندويتش (قليلا من الخبز المدعّم، قطعة صغيرة جدا من الطماطم، عُــشر ورقة من الخصّ، هِــلاليْن من البصل، وفُــتاتٌ من الاسكالوب غير معلوم المصادر، وشيئ من الكاتشب والميوناز) التي لا تتجاوز حوالي نصف دينار باعتبار الكهرباء وأجر العمل في الدقيقة التي استغرقت لإعداده، لكيْ يُباع بــ12د= 2400% ! علما وانّ المحلّ ليس مؤكّدا انه خاضع للضرائب، ولم يستثمر في التهيئة الداخلية للمحل (بل يضع حواجز أمامه تمنع توقف السيارات المارة ان لم تعطّل حركة المرور ويستعمل الرصيف للبيع مما يجبر المارة بالمشي في الطريق) ولم يقُم بتجهيز دور مياه مقبولة، ولا بالتهيئة الخارجية من مواقع لسيارات الحرفاء ولا من قنوات الصرف الصحّي باعتبار أنّ المكان في بعض الأحيان كان حيّا سكنيا لم يتمّ اعدادُه للأنشطة التجارية والصناعية، وهي من منابع "الرّيع"، أو الربح السهل (...)، مثل سيارات تعلّم السياقة حيث أصحابُها ذوو النشاط التجاري يستعملون الطريق العام بدون استثمار شخصي في مدرسة خاصة بكل متطلباتها ... كلّها أَرْياعٌ مخفية نادرا أن تجد لها مثل الأثار في العديد من البلدان. فهل يرضى المواطن متوسط الدخل بهذا الانحدار في تغذيته من المتاجر والتي أصبحت ثقافةً بالرغم من تآكل مقدرته الشرائية؟ أليس مالهُ وصحّتُه وكرامتُه من أولوياته؟ إذن ماهي أولوياته الحياتية؟ هل هو صبور بطبعه؟ اذن ماهي قضيّته التي يعيش من أجلها؟
- تصريحات بعض الشابات المٌــقبلات على الزواج أو حديــثات العهد بالزواج في وسائل الاعلام (ولا أعمّــم طبعا)، بحقّهنّ المُطلق في المساواة، وفي العمل، ولكن كذلك في العُنف اللّفظي والمادي في الفضاء العام والخاص، وفي حريّتهنّ بالخروج والدّخول من بيت الزوجيّة متى شئن وبدون إعلام الزوج، والسفر ومُصاحبتهنّ لمن شِئن وعدم استعدادهنّ لانجاب الأطفال لانّ ذلك من حقوقهنّ الشخصية وأنّ "على الزوج إن كان يحبّها" عليه أن يأخذها كما هي وأن يتحمّل مصاريف السّكن والأكل واللباس والصحّة والنزهة والفسحة ووطية بنت الخالة وفرْق فولان (ربي يطوّل في عماركم)، وانّ راتبها لا دخل للعائلة فيه باعتبار "قوامة الرّجل"، (...) ما هذا؟ فهل أضاع هذا النوع من الشابات التونسيات البوصلة بتسلعُــنهنّ إراديا؟
ماهي مراجعهن في الحداثة أو في المحافظة إن شئن؟ ما هو تكوينهنّ؟ لماذا تتحدثن عن حقوقهن ولا عن واجباتهن كمواطنات سويّات؟ أم هو نوع من أنواع "النرجسية المنحرفة" لدى البعض بالطبع، التي بدت تمضهراتها في صُــعود حسب أحد الأصدقاء المتخصّصين بعلم النفس التحليلي؟ أم هي مسألة النظام التربوي والأسري؟ أم هي وسائل الاعلام؟ أم تعدد المرجعيات السلوكية والثقافية، على معنى تايلور (Edward Taylor) وبورديو (Bourdieu)، حيث في تعددها في محيط لا يتجاوز 1 كيلومتر، تجد بالضرورة اعمق حالات الأزمات الاجتماعية ضمن وبين الأجيال.