قمة القاهرة بين حضور ماذا وغياب كيف ؟

ثمة خلل في استراتيجية الدبلوماسية العربية التي يتم التعبير عنها في بيانات القمم العربية، ويتمثل هذا الخلل في " الينبغيات "(ينبغي ويجب) وهو ما يسميه علماء النفس "التفكير بصفة الإلزام" ،أي ممارسة الضغط الكبير على الذات لتحديد ما يجب أن يحدث دون التفكير في جانبين : معقولية الينبغي من ناحية ، وتوفر آليات تحقيقه من ناحية ثانية، والعقل العربي ميال لما يسمى أيضا لدى الميدان النفسي "الاستنتاج الانفعالي"،أي الوهم بان ما تقوله بالضرورة صحيحا، دون ترك الفرصة لعرض احتمالات الخطأ.

ولكي ندلل على ما سبق، نوجز القول في أن البيان الصادر عن القمة بخصوص طوفان الأقصى وما ترتب عليه ، ركز على ماذا ( ينبغي فعله) دون تقديم آليات إنجازه أو بدائل الفشل في حالة العجز عن التنفيذ اي غابت "كيف"، ولنقف أمام ما جاء في البيان الذي دعا الى::

1- نشر قوة حماية وحفظ سلام دولية تابعة للأمم المتحدة في الأراضي المحتلة الى حين تنفيذ حل الدولتين، على أن تكون دولة فلسطين في حدود 1967: هذا الينبغي الأول، دون أي اعتبار لاحتمال أن ترفض إسرائيل ذلك، وكل المؤشرات تؤكد إن نتنياهو لن يقبل بذلك نهائيا ، لأنه يدرك أن القبول به سيفتح الباب لحرب أهلية بين اليهود ،ويهدد العمق الاستراتيجي لإسرائيل، وهنا نسأل : لو رد عليكم نتنياهو بالرفض فهل اتفقتم على خطة لكيفية مواجهة رفضه، ازعم أن أي زعيم عربي لا يمتلك أي تصور لخطة الرد، بل ان بعضهم لا يريد حتى التفكير في الرد على نتنياهو.

2- عودة اللاجئين والاستناد الى المبادرة العربية لعام 2002، إذا كانت إسرائيل تريد تهجير ما عندها بسبب الخلل الديموغرافي لصالح العرب والذي سيتزايد مستقبلا بفعل الفارق في معدل الزيادة السكانية ،فهل تنتظرون موافقة نتنياهو ؟ هذا هو ما يدلل على أن الحكام العرب يعيشون تحت ضغط الاستنتاج الانفعالي ، فهم لا يمتلكون أي تصور خارج التلذذ بالأوهام .

3- رفض الإرهاب والعنف..الخ: من المعلوم أن تعبير الإرهاب اصبح لصيقا "بحركة المقاومة " بفعل الضغط الإعلامي الغربي وبعض العربي ، فرفض الإرهاب في بيان القمة ليس له إلا معنى ضمني واحد هو " رفض المقاومة المسلحة"، وهنا نسأل ، إذا كنتم ضد المقاومة المسلحة فما هو الشكل الذي تقترحونه "لإجبار" إسرائيل على الخضوع لمطالبكم؟ فقد طمسوا كل معالم أوسلو وما زالوا يخترقون 1701 و 2245 مع لبنان وسوريا ، ويصرون على تفسير كل نص طبقا لمصالحهم، فكيف ستجبروهم بتنبي رايكم ؟ هل ينبغي تكفي؟ فاين كيف؟

4- رفض التهجير والدعوة للتعاون مع أمريكا لتحقيق السلام العادل: إذا كان مشروع التهجير من إبداع الرئيس الأمريكي نفسه ،فليتكم تشرحوا لنا صيغة التعاون معه لإفشال التهجير الذي يدعو له هو نفسه، كيف ستتعاونون مع ترامب ليساعدكم في إفشال مشروعه هو ذاته؟

5- توجيه الشكر لترامب على دوره في وقف اطلاق النار: هل تم وقف اطلاق النار "استجابة لترامب إنْ صح الزعم" أم لأن إسرائيل تعيش صراعا داخليا جعل من معدل الاستقرار فيها يضعها في المرتبة 173 بين 193 دولة ، ولان المقاومة كبدتها خسائر تقر بها إسرائيل بأنها الأثقل خلال أكثر من خمسة عقود..فكيف يتم تغييب العوامل الحقيقية لصالح إبراز التودد الى صاحب خطة تحويل غزة الى ريفيرا وتشتيت سكان القطاع في بقاع الأرض كلها.

6- إدانة التجويع: أتمنى من شراح قواميس المفردات العربية أن يحددوا المعنى الإجرائي لكلمة" إدانة"، ثم هل وزنها يختلف في عالم السياسة عن "الإدانة باشد العبارات"؟ ثم هل يختلف وزن إدانة الحكام –في الواقع الميداني- عن إدانة أي فرد عادي ، فالإدانة التي لا ترتبط بإجراء يؤكد مصداقيتها تتساوى مع الإدانة لرجل بسيط في موريتانيا أو فانوتو..

7- الدعوة لإعادة الإعمار وتطبيق المرحلة الثانية والثالثة من اتفاق وقف اطلاق النار، لقد أوقف نتنياهو دخول أي شكل من أشكال المساعدة ، ولكنكم تصرون على دعوته، فهل هذا الإصرار قائم على أساس "ثقة في أخلاقيات نتنياهو" أم هو "توسل" أم أن الأمر ليس اكثر من "ينبغي " جديدة.

8- المطالبة بالانسحاب من قطاع غزة بما في ذلك محور فيلادلفيا، من لم ينسحب من الضفة الغربية والجولان وجنوب لبنان هل ينسحب من القطاع ؟ لقد قالها شارون بان انسحابه كان بسبب العبء الكبير امنيا واقتصاديا على إسرائيل ، ولم ينسحب لأنه " ينبغي أن ينسحب".

9- عقد مؤتمر دولي للإعمار في اقرب وقت وإنشاء صندوق لتلقي المساعدات وحشد المساندة الدولية للإعمار، لقد أنفقت قطر في سوريا 137 مليار دولار باعتراف رئيس وزرائها السابق، وهو ما يعادل اكثر من 3 أضعاف ما تحتاجه غزة، فلماذا لم تعلن أية دولة عربية عن مبلغ "كبداية" ، فأهل غزة ليسوا في ترف الانتظار الى أن تشكلوا اللجان وتختلفوا وتصلحوا خلافاتكم ، انهم يموتون من الجوع والعطش والبرد والمرض ، فلماذا تبسطون أيديكم لمساعدة الآخرين _حيث تدعوكم أمريكا- وتجعلونها مغلولة عند شواطئ غزة؟ هل تنتظرون مساعدات النرويج والدنمارك وروسيا والصين ...ام هو تهرب من الدفع ،فإذا أردت أن تدفن مشروعا فأوكله للجنة، هكذا علمونا في الإدارة.

10- الدعوة لأن يدار ملف الأمن من قبل المؤسسات الفلسطينية الشرعية وحدها(لاحظ عبارة وحدها)، اي أن المقصود توسيع التنسيق الأمني مع إسرائيل من الضفة الغربية الى قطاع غزة، ثم من قال ان سلطة التنسيق هي سلطة شرعية؟ فلم تجر انتخابات رئاسية منذ عشرين عاما، فكيف هي شرعية، فلم يبق من منظمة التحرير لا ميثاقها ولا تنظيماتها الأصلية ، أما وعود رئيس سلطة التنسيق الأمني بالانتخابات تجد إجابتها في جيب " عرقوب"، وما الصفح عن من فصلته حركة فتح إلا محاولة لحشدهم في غزة ضد المقاومة .

11- المطالبة بوقف الاستيطان، مع أن الاستيطان يزداد يوميا.

وفوق كل هذا ، ما دلالة :

أ‌- تحفظ تونس والعراق على البيان ؟ فهناك اعتراض على حل الدولتين لأنه من وجهة نظر البلدين يغيب حقوق الفلسطينيين التاريخية.

ب‌- لماذا تغيب سبعة حكام عرب؟ لان البعض ممن تغيب يتمنى أن يمر مشروع ترامب ، والبعض الآخر شعر أن لا فائدة من الحضور ، والبعض الآخر يعلم انه لا في العير ولا في النفير.

Commentaires - تعليقات
Pas de commentaires - لا توجد تعليقات