الرقص حول جرف مكسور

في الزمان الذي أصبح فيه رئيسًا، كان قد وصل إلى قمة جبلٍ اختلقه خياله، جبلٍ لا يُرى إلا في الأحلام المجنونة. القمة، التي كانت بلا شك محض خيال، لكنَّ الرجل كان يراها كالجبل الأطلسي الذي لا يتزعزع. وعندما قال: "أنا سأطهّر هذا العالم، سأشفيه من الجروح التي أحدثها البشر بأنفسهم"، كانت كلماته لا تزيد عن صدى صوته في فراغ مكتبٍ غير مؤثث، حيث يخلو المكان من أي أثر للإنجازات الفعلية.

لكن هل كان هو الذي سيطهّر؟ أم أن فكرة التطهير نفسها كانت تتطلب تدميرًا من نوع آخر، تدميرًا لا يتوقف عند الآخرين، بل قد يصل إليه هو أيضا؟ هذا هو السؤال الذي كان يضغط عليه، بينما كان يجلس في مكتبه المترف، يوقع على أوراقٍ مليئةٍ بحبر يزحف عليها كأنّه أشباحٌ عابرة. كانت كل خطوةٍ يتخذها نحو السلطة كأنها خطوة على حافة جرفٍ متصدع، حيث يطغى عليه وحلٌ من الأوهام التي لم يكن يعرف لها مخرجًا. "كلهم خونة، كلهم فاسدون"، كان يكررها بحماسٍ، وعيناه ملتهبتان كما لو كان يحاول حرق كل شيء حوله.

وفي أعماقه كانت تلك الأصوات التي كانت تصرخ، صرخات ضائعة، لا صدى لها سوى في نفسه فقد كان يحاول إنقاذ شيءٍ غير موجود سوى في خياله. كان يريد أن يعيد تشكيل العالم، لكن أي عالمٍ كان سيعيد تشكيله، بينما عالمه هو، عالمٌ مليء بأنقاضٍ لا نهاية لها.

كان يعتقد أنه يرى نفسه نبيًا، لكن من يراه في الواقع هو مجرد رجلٍ يرتدي رداءً أسود ويفتح فمه ليقول كلامًا فارغًا عن العدل والحق، وهو في أعماقه يتناثر مثل قطع الزجاج في محيط من الأوهام. كانت روحه تتآكل في كل لحظة بموجات من الخطابات التي لا تصمد أمام أي تحليل جاد.

كان يرى في قلوب الناس الخيانة، ويرى في أعينهم غدرًا، وكان يظن أنه الوحيد القادر على كشف الحقيقة. لكنه في الواقع، كان يرى الكذب في أعينهم فقط لأنه كان يتجاهل الكذب الذي كان يحيط به هو. كان يظن أنه يفهمهم، لكنه في كل مرة اقترب منهم، ابتعد عن نفسه أكثر.

هل كان قد وصل إلى السلطة؟ أم أن السلطة هي التي وصلت إليه، لتعلق على عنقه كقيدٍ لا ينفك؟ هو لم يكن يعلم. كان يتنقل بين أروقة مكتبه وكأنّها متاهة، يعتقد في كل خطوة أنه يقترب من النور، بينما في الواقع كان يبتعد عن الحقيقة أكثر فأكثر. السلطة، بالنسبة له، كانت مجرد وهم مطلق. هي تلك الحكاية التي يرويها لذاته كل يوم ليشعر بالراحة في مواجهة أفكاره الضبابية. كان يمضي وقته في ترديد الشعارات الوطنية، بينما قراراته لا تخرج عن كونها محاولات لملء الفراغ الذي يعصف بقلبه.

في كل يوم كان يلتقي بأعداء غير مرئيين، يتصورهم في كل زاوية من أروقة السلطة، بينما عجزه عن تحقيق أي تغيير حقيقي يصبح أكثر وضوحًا. في لحظاتٍ من التأمل، تأمل خيباته الشخصية وتضارباته التي لا تنتهي، كان يعرف في أعماقه أن أكبر معركة يخوضها ليست ضد شعبه أو خصومه، بل ضد نفسه.

"أنت لست نبيًا، أنت شيئا آخر ، بل أنت تقتل نفسك بيديك"، كان صوته الداخلي يصرخ. لكن هذا الصوت كان يتلاشى في همساتٍ تائهة، يطمسها ذلك الوهم الذي كان لا يستطيع الهروب منه. وعندما وصل إلى لحظةٍ بدا له فيها أنه قد تخلص من كل الشرور، اكتشف أنه لم يكن يطهّر شيئًا، بل كان يلوث كل شيء يلمسه.

كانت هناك لحظات تنوير تلاحقه، كما يلاحق الظل الشمس. لقد كانت فترات من الوعي المتأخر، تلك التي يدرك فيها أنه لا يملك القدرة على تغيير شيء حقيقي. السلطة التي اعتقد أنها ستمنحه السلام الداخلي، كانت تلتهمه مع كل خطوة. وحين يرى نفسه في مرآة السلطة، يرى شخصًا يرتدي عباءة البطل، لكنه في أعماقه كان يعرف أنه لا يستطيع محاربة أحد سوى نفسه. وها هو اليوم، يواجه الحقيقة المرة: أن الذي كان يُخدع به لم يكن سوى صورة اختلقها. وأنه لم يحقق أي خلاص سوى الخلاص المزيف الذي يعيشه.

وها هو الآن، يقف على حافة هاويةٍ مهيبة، بلا قلب ولا رؤية، يعيش بين الأوهام بينما يرقص حول الجرف المكسور الذي لن يسقط إلا في أعماق الظلام.

Commentaires - تعليقات
Pas de commentaires - لا توجد تعليقات