بهذه الكلمات البريئة عبّر أحد تلاميذ المدرسة الابتدائية ببئر علي بن خليفة بولاية صفاقس، عن امتنانه لأبطال مسرحية "فري نمّول" التي تمّ عرضها بعدد من المدارس الابتدائية في إطار أيّام قرطاج المسرحية، مُقدّما إليه حبّة حلوى (كعبة حلوى نعناع) وربما أغلبنا لا يعلم قيمة هذه الهدية في منطقة ريفية لا يعرف الأطفال فيها من وسائل الترفيه إلاّ لعب الكرة والغمّيضة.
مشاهدة مسرحية على الفضاء مباشرة وفي ساحة المدرسة على مقربة من صورة يتحاذى بداخلها المدير والمُعلّم والولي، جعل هؤلاء الأطفال ينتابهم شعور من نوع جديد عبّر عنه هذا الطفل بأنه "الفرح"، لماذا استعمل هذا الطفل كلمة "فرحتونا" ولم يستعمل صيغة أخرى "فرهدتونا" أو "ضحّكتونا"؟
هؤلاء الأطفال بحاجة للفرحة وليس للضحكة ولا للتفرهيد. وكان عرض مسرحية "فري نمول" في ساحة المدرسة مصدرا للفرح لدرجة أنّ هذا الطفل قدّم "كعبة الحلوى" لأحد أبطال المسرحية.
نعم نحن بحاجة لكسر الصورة المشوّشة التي رُسمت في أذهان الناشئة عن المدرسة وعن العلاقة المُتوترة بين مُختلف الفاعلين (أولياء ومربّين ومسئولين). الأطفال بحاجة لرؤية مظاهر الانسجام بين الولي والمُعلّم وبين المُعلّم والإدارة حتى يشعر بالاطمئنان وتكون المدرسة مصدرا للفرحة.
وهذا يتطلّب من القائمين على الحقل التربوي، والمهتمّين بإصلاح المنظومة التربوية إلى البحث عن رهانات الأولياء والتلاميذ باعتبارهم فاعلين لهم لغة بسيطة لكنها مشحونة بالمعنى. حيث أنّ المدرسة في سياقات العولمة ولبرلة سوق الشغل لم يعد منظور إليها اجتماعيا من نفس زاوية نظر ستينيات القرن الماضي.
وإن اعتبر بيار بورديو أنّ الحقل التربوي رهان لتضارب المصالح وتنازع السلط من أجل إعادة إنتاج المجتمع، وأداة تعيد إنتاج لا تكافؤ الفرص، ويربط المدرسة كمكان لإقرار التدابير السياسية لطبقة المهيمنة، ذلك أن المدرسة تمثل أداة لإنتاج وإعادة إنتاج نفس التدابير الثقافية التي تحدد تصنيفيا بتراتبية العلاقات الاجتماعية فلا يمكن إذن أن نفترض الحياد المطلق لأنظمة التعليم ممّا يذهب بنا إلى ربط المدرسة بمصلحة الطبقات المهيمنة (سياسيا واجتماعيا واقتصاديا) في إعادة إنتاج بنية العلاقات داخل الطبقات. وهذا يعني: أن المدرسة أداة في يد الدولة والتي تخدم الأهداف الخفية والمصالح الطبقية. غير أنّ دوركهايم يرى في التربية المركز المتميز لرصد المُشترك والحفاظ على تماسك المجتمع من خلال تعريفه للتربية بأنها : الفعل الذي يمارسه جيل الراشدين على أولئك الدين لم ينضجوا بعد في الحياة الاجتماعية والغرض منها أن نثير وننمي لدى الطفل عدد معين من الحالات الجسدية الفعلية والأخلاقية التي يتطلبها منه المجتمع بمجموعه والبنية الخاصة التي أعد لها.
إذن حقل التربية بتناقضاته تجسيد للبناء الاجتماعي ككل بمختلف فئاته الاجتماعية وبرهاناتهم وبقواعدهم واستراتيجياتهم بحيث هناك مهيمنين ومهيمن عليهم، متعسف مالك لنمط تربوي مثالي (الدولة) ومتعسف عليهم (فئات اجتماعية ) ورهاناتهم الاجتماعية المتناقضة أحيانا وغالبا مع رهانات الدولة.
وهكذا اكتشفنا بفضل "فري نمول" أنّ "الفرحة" أصبحت إحدى أهمّ الرهانات الاجتماعية لفئة المهيمن عليهم داخل المدرسة التونسية.