أحدث المجلس الوطني للأمن بموجب أحكام الأمر عدد 252 لسنة 1988 المؤرخ في 26 فيفري 1988 و الأمر عدد عدد 1195 لسنة 1990 المؤرخ في 6 جويلية 1990 و اللذان حصرا اختصاصه ،في جمع ودراسة وتحليل وتقييم جميع المعلومات والمعطيات الفنية التي تتعلق بالأمن الوطني من ناحية السياسة الداخلية والسياسة الخارجية، والسياسة الدفاعية لغاية المحافظة على أمن الدولة الداخلي والخارجي ودعم مقوماته، علاوة على ما سبق ذكره فهو يتداول في الاختيارات الأساسية في مجال الأمن الوطني والخطة الوطنية للأمن و التدابير اللازمة في ميادين الأمن والدفاع والسياسة الخارجية ،إضافة الى تقييم التحديات الداخلية والخارجية و توجيه الأبحاث في ميدان الاستعلامات و تنسيق العلاقات الخارجية في مجال الأمن الوطني.
هذا و يترأس المجلس الوطني للأمن، رئيس الجمهورية و يضم في تركيبته رئيس الحكومة و وزير الشؤون الخارجية و وزير الدفاع الوطني و وزير الداخلية و كاتب الدولة للامن الوطني و رئيس أركان الجيوش و المدير العام للامن العسكري . و في عملية تقييمية لسنة ٢٠١٥ المنتهية قريبا، حصد الارهاب في تونس عديد الأرواح البشرية التونسية و الأجنبية ، مستهدفا رجال أمن و مدنيين تونسيين و سياح أجانب ، في مواقع حساسة مخٌلفا اضرارا اقتصادية و أزمات ديبلوماسية، و تراجع مؤشرات اقتصادية و تصنيفات عالمية ، لتصبح الجريمة الارهابية متعددة الأبعاد و تتجاوز بذلك إطارها.
و بالرغم من بشاعة العمليات الارهابية التي انبعث لها صدى في ارجاء العالم و تعاطف كلي من قبل المجتمع الدولي، فإن القرارات التي تصدر دائماً من مجلس الامن الوطني، انحصرت في تكثيف المداهمات الأمنية ، اعلان حالة الطوارئ و الإسراع في اعتماد قوانين معدلة مثل قانون مكافحة الارهاب أو الإسراع بأحداث وكالة استخبارات قومية أو تفعيل القطب القضائي لجرائم الإرهاب، تواكبها موجة تغطية إعلامية من الجرائد و الإذاعات و القنوات التلفزية، للنجاحات الأمنية في احباط المخططات الارهابية و الكشف عن مخازن أسلحة و تصاريح رسمية حول درجة جاهزية قواتنا الأمنية ، بلغة أمنية بحتة تسمعها بين كل المواطنين "حزم ١" و "حزم ٢" ، بالتوازي مع مسيرات منددة للعمليات الارهابية تحت لواء حزبي او جمعياتي ، و تشحن الأجواء في المنابر الإعلامية بين سياسيين معارضين و مؤيدين للحكومة و بين قضاة و آمنين و محامون و قضاة ،،،،لكن و بمجرد استقرار الأمور نسبيا،تعود الطمأنينة و السكينة للشعب ، لتقوم الجماعات الارهابية بعملية أخرى نعود بها الى درجة الصفر.
ونظرًا للعدد المرتفع لضحايا الارهاب ، تحت حكومة السيد حبيب الصيد ،باردو (٢٣ قتيل و ٤٧ جريحا )،سوسة (٣٩ قتيل و ٤٠ جريحا)،عملية حافلة الامن الرئاسي (١٣ قتيل و ٢٤ جريحا) دون احتساب العمليات المنفردة التي راح فيها شهداء من الامن و الجيش الوطني و المحاولات الغير موفقة لاغتيال شخصيات عامة ،لا بد من طرح السؤال الحقيقي، هل قام مجلس الامن الوطني بمهامه المنصوص عليها قانونا؟فان كان ذلك ، فلماذا ارتفعت حصيلة العمليات الارهابية؟ما الخلل الذي اصبح بمقتضاه الارهابيون يتجرأون على القيام بالتفجيرات في المدن ، مستهدفين الامنيين و المدنيين ؟
و برجوعنا الى الماضي القريب، نرى ان العمليات الارهابية التي استهدفت الشهيدين شكري بالعيد و الحاج البراهمي و جنودنا البواسل في شهر رمضان ٢٠١٣ ، قد أربكت الاستقرار السياسي للبلاد مع حادثة مداهمة السفارة الأميركية من قبل الجماعات المتطرفة مثل أنصار التشريعة التي اصبحت من الجماعات المحضورة دوليا و صنفت على أساس مجموعة ارهابية بمجلس الامن الدولي على غرارجماعة بوكو حرام و القاعدة ،،، ،فل نسال السؤال، و نعطي ما لقيصر لقيصر ، كيف نجح المهدي جمعة، تأمين الانتقال الديمقراطي و تسليم السلطة و تأمين الانتخابات التشريعية و الرئاسية في فترة كانت فيها الجماعات الارهابية تترصد لجميع فئات المجتمع التونسي و لمرافق الدولة ، ذلك ان حصيلة ضحايا الارهاب في ظل حكومة المهدي جمعة لم تتعدى ٢٠ نفرا تم الغدر بهم و ترصدهم عن حين غيرة،هل كانت هناك خطة للإطاحة بالعمليات الارهابية قبل وقوعها و التكتم على التصريح عن كشفها لغاية عدم بعث الخوف في صفوف المواطنين الذين كانوا يستعدوا للتوافد على مكاتب الاقتراع ؟
قرارات حجب المواقع الاجتماعية و تكثيف الرقابة الأمنية و التفتيش و المداهمات، هي قرارات سمعنا بها في حكومة المهدي جمعة ،تخللتها اجراءات ذات بعد استراتيجي مثل احداث القطب القضائي المتخصص في قضايا الارهاب،التنسيق مع دول ، للاستفادة من المساعدات التقنية (طائرة هيليكوبتر من فرنسا ) و تبادل المعلومات الاستخبارتية حول تحركات الخلايا الارهابية، وهو ان دل على شيء فهو يدل، ان توجهات المهدي جمعة في تطويقه لظاهرة الارهاب ومنع وقوع العمليات الارهابية فترة توليه رئاسة الحكومة، كانت ناجحة وهو نجاح يقيّم على أساس الخسائر البشرية و المادية التي خلفها الارهاب زمن ولايته علاوة على ان التوجهات المعتمدة من قبله،تدل على انضواء الحكومة جمعة بصفة جدية ، تحت قراري مجلس الامن عدد ١٣٧٣ (٢٠٠١) و ١٦٤٢(٢٠٠٥)، مع الالتزام بتنفيذ التدابير المصادرة عن لجنة مقاومة الارهاب التابعة لمجلس الامن بمنظمة الامم المتحددة، لكن خلال تسليم المهام بين السيدان المهدي جمعة و الحبيب الصيد،ألم يتسلم هذا الأخير وثيقة من رئيس الحكومة المغادر، تضمنت استراتيجية وطنية شاملة لمكافحة الارهاب وهي على ما أظن تضم سر نجاح حكومة جمعة في الحد من العمليات الارهابية حتى لا نقول انه نجح بتفوق مقارنة بمن سبقه أو خلفه؟ ايعقل أن تتبخر الوثيقة في رئاسة الحكومة ، بعد أن تسلمها حبيب الصيد من المهدي جمعة ؟
لكن ما يثير الجدل هو الاصرار المفضوح ،لوسائل الاعلام المسموعة و المرئية و المكتوبة على تجاهل مسيرة المهدي جمعة خاصة في مجال مقاومة الارهاب، فتغيبه من الاحتفال الرسمي بجائزة نوبل للسلام مع فريقه الحكومي، و عدم إثارة الموضوع من قبل الاعلام ، لخير دليل على ذلك، فربما المستقبل القريب يكشف لنا حقائق من شأنها ان تقلب الموازين، لتغير ملامح الخارطة السياسية من جديد في تونس.