أعد لي الشيطان قهوتي ومد وجهه فوق مكتبي ونفخ تبغه في وجهي فتجلّت حِلْكَتي في الصباح.
قلت للشيطان وهو يشزر : مرحى أين كنت كل هذا الوقت فقد انصلحت في غيابك حتى فسدت من صلاحي إذ خالطتني رغبة في المجد.أشعل سيجارته من شهاب ثاقب وقال كنت أشرب دم أخ مات من فرط صلاحك الكذَّاب.
قلت كيف طعم دم الشياطين؟
قال مر مثل الغدر بالشهداء عندكم.
ثم أولاني ظهره غضبا فواجهته فدار فدرت حتى قرر أن يتكلم.
ما الذي يزعجك مني؟
قال لست واثقا من نفسك. لست خيِّرا لأفقد الأمل ولست فاسدا لنتمتع بالحياة.
وهل تراني لبست الصوف واعتزلت الناس؟
قال ليتك فعلت ولكنك ترى عيوب الناس وتشير إليها فتفسد علي عملي في مواضع كثيرة ولست أصلح مني فأنت شيطان وتضع ملابس بشرية وتأكل من طعامهم.
قلت ذلك كذلك فهل علي أن أتجرد من لحمي.
فتبسم حزينا كأنه فقد الأمل فعلا: منذ اختلفنا في البداية الأولى كنت أعرف أن اللحم ثقيل على الفكرة ويشدها إلى الأرض حتى تنتهي غذاء لدود الأرض أمكم التعيسة. انظر إلى نفسك أنت تريد أن تكون فكرة وتطير ولكن لحمك يثَّاقل بك إلى جوار أمك ...
قلت له لا تأثمني بطبيعتي وهذا نقاش قديم خضتَ فيه وانهزمتَ فأنت فكرة لكنك لا تستقر على حال. وليس لك ألا طموح الانتقام.
عض شفته قهرا فشعرت بالانتصار عليه لكنه ضحك فخالطني السؤال هل انتصرت على نفسي ؟
وشعرت به يتسرب إلي مع الهواء ويفسد خليطي الداخلي المستقر في اللامبالاة؟ فهربت إلى القهوة والكلام.
قال اعترف !
فاعترفت. بي رغبة في السمو وبي رغبة أن يقول لي الناس حولي أحسنت يا فتى. لكن قلبي لا يتكبر. شعرت بغصته وهو يراود رغبتي في اتخاذ الناس سُلّمًا نحو شيء ما. قلت له سجل هزيمتك الكبرى هنا فقلبي حدثني قبل البلوغ لا تسمو فكرة في أرض غبية. إذا لم تسمُ بأرضك فأنت حضيض وإذا لم تسمُ بأهلك فأنت دخان. المجد روح في الجماعة لا عرف ديك أمرد.
أخرج أجنحته من تحت جلده البشري وطار. شعرت بطعم قهوتي أحلى وكتبت. قل للناس خيرا وسر. لقد عرف قلبك مجد الماء في الحلوق العطشى.