للإيرانيين الحق في أن يتهجموا على داعش، رغم أن أفعالهم أو أفعال بعض حلفائهم في العراق لا تقل توحّشا عن أفعال داعش. ولكن أن يرى مسؤول إيراني في ظهور داعش تعبيرا من العرب عن شعور بالدونية تجاه الفرس والأتراك، فذلك يستدعي بعض التوقف. للإشارة في البدء أن المسؤول المعني اسمه علي يونسي، وقد كان يتقلد وزارة الاستخبارات والأمن القومي لإيران في عهد الرئيس "المعتدل" محمد خاتمي، وهو حاليا مستشار الرئيس الإيراني حسن روحاني لشؤون القوميات والأقليات الدينية، وهو ما يعني مبدئيا أن استشارته أو كلامه يساهم في صنع القرار الإيراني، ولا يمكن بالتالي تجاهله أو التخفيف من مضمونه أو أبعاده.
يقول مستشار الرئيس الإيراني "إن تحرك داعش جاء تلبية لنزعة العرب الرامية إلى التحكم في العالم الإسلامي والتخلص من شعورهم بالدونية تجاه الفرس والأتراك". هذا يعني أولا أن العرب أفرزوا أو انتخبوا داعش لتعبّر عن مشاعرهم وطموحاتهم القومية، وهو ما يعني أنهم يتحملون مسؤولية ما ترتكبه من جرائم. ولسنا بحاجة هنا للقول بأن الربط بين داعش والعرب مغالطة مفضوحة.
الخطير كذلك في ما تضمّنه كلام علي يونسي هو أنه وصم العرب بالدونية، وهو ما يعبّر عن مشاعر عنصرية، تذكّر بالعنصرية التي يلقاها العرب في بلدان أخرى، وبالنسبة لإيران تحديدا فإن ذلك يقود إلى طرح الأسئلة حول صدقية شعارات وخطاب "الثورة الإسلامية"؟ نتذكر هنا أن علي يونسي هو نفسه الذي قال في مارس الماضي إن "إيران اليوم أصبحت إمبراطورية كما كانت عبر التاريخ وعاصمتها بغداد حاليّا، وهي مركز حضارتنا وثقافتنا وهويتنا اليوم كما في الماضي". إنه الشعور القومي والمشروع الإمبراطوري الفارسي في أجلى صيغه، بما يعنيه من تشريع للاستعمار واحتلال البلدان. وهو ما لا علاقة له بالدين ولا بالتمذهب ولا بالثورة ولا بغيرها من ثرثرات…
يعيد علي يونسي شعورَ العرب بما يسميه الدونية إلى العهد العباسي، ففي الاحتفال الذي أقيم في 11 ديسمبر الجاري بمناسبة ذكرى موت الإمام الثامن عند الشيعة الإثني عشرية الإيرانية، قال إن أغلبية الأحداث التي نعيشها اليوم هي "محاولة لاستعادة سيطرة العنصر العربي على العالم الإسلامي"، ويعيد فقدان العرب لسلطانهم إلى نهاية الصراع بين الأمين والمأمون، وفي هذا المعنى يقول "عندما قتل الإيرانيون (الأمين) شقيق المأمون سحبوا السلطة من العرب إلى الأبد". وهذا يذكّر بأدبيات الحركة الشعوبية المعادية للعرب والتي تنتقص منهم ومن دورهم في التاريخ. وكامتداد لذلك فإن إيران هي التي ستحول دون عودتهم إلى التاريخ. وهذا ما ينزع أية مبررات للتدخل الإيراني في البلاد العربية، تحت أي عنوان كان.