بعد ليلة المشاعر و الاحاسيس الجميلة تدخل سنة 2019 لنستعيد صرامة الانشغال بالسياسة و همومها في مرحلة سياسية بامتياز الحقيقة ان القول بان المرحلة سياسية بامتياز هي جملة نكررها منذ عقود لنبرر لأنفسنا هذا الانغماس المتعب في الشأن العام و الذي احتل فينا كل زوايا الاهتمام لنتحول الى كائنات سياسية يكاد يموت فينا كل التذاذ بالعواطف و الفنون و الجنون الوجداني .
تدخل تونس سنة جديدة ستكون نهايتها اذا سارت الامور سيرتها العادية انتخابات تشريعية و رئاسية يستقر بمقتضاها مشهد ديمقراطي طالت مرحلته الانتقالية الى ما يقارب العقد من الزمن و هذا وقت طويل بالنسبة للمتعجلين مثلنا ممن ملاهم امل عارم اثر هروب المخلوع و قد يكون وقتا معقولا بالنسبة لمن يقرا جيدا مجمل التعقيدات و الصعوبات التي رافقت الزلزال التونسي و ارتداداته على كامل المنطقة .
قبل بلوغ الاستحقاق تواجه البلاد انقساما سياسيا حادا تتراوح التوقعات بين افتراض ذهابه الى مواجهات و احتقان خطير او تمكن الطبقة السياسية الفاعلة من تطويقه على قاعدة التفاهمات التكتيكية للقوى المتصارعة وفق الاسلوب التونسي منذ سنوات ثمانية في اعتماد سياسة حافة الهاوية .
الاضراب العام للقطاع و الوظيفة العموميين سيكون اول امتحان لتماسك المشهد التونسي و رغم التهديدات المتبادلة بين الفرقاء يبدو الامل معلقا على طاولة الرئاسة التي جمعت منذ ايام فرقاء الصراع في غياب المعارضة مع وعد بتجدد انعقادها مرة اخرى غضون هذا الاسبوع .
ازمة التعليم الثانوي في مكانها تراوح و بعودة الحياة الى المعاهد و المدارس التونسية يوم غد سنتذكر ان كرة ثلج او نار مازالت تتدحرج و تكبر بين تعبئة و تصميم لرجال و نساء الميدعات البيضاء و عناد سلطة اشراف مازالت تراهن على اوراق اضعاف حركة ،، جيش الطباشير ،، التونسي الذي يبدو ان عدوى حركته قطعت ضفة المتوسط نحو " جيش القلم الاحمر " الفرنسي . دون ان ننسى ما يعتمل في ملف التعليم من ازمات امتدت الى المعلمين النواب وصولا الى اساتذة الجامعة و بينهما مشكلات تطل براسها في قطاع عملة التربية و موظفيها .
الاحتجاجات الاجتماعية للجهات و الطبقات المهمشة و شباب العاطلين ملف اخر حارق تختلط فيه شرعية الطلبات مع حيرة حكومة ترتبك موازناتها المالية و لا تملك شيئا امام توظيفات ممكنة لهذا الارتباك من معارضتها المتحفزة و شقوق حزبها الرئيسي المتصدع و حتى من لوبيات فساد و تهريب و ارهاب لا تنتعش الا في اجواء احتقان تمنع التفرغ لتصفيتها و ملاحقتها خصوصا و ان الحرب على الفساد لا يمكن ان تنجح الا في اجواء وحدة سياسية وطنية مصممة مما يجعل كل تعميق للانقسام السياسي فرصة ملائمة لاستمرار العصابات في الحركة و التاثير على الاقتصاد و المشهد الاعلامي و السياسي القابل للتاثر اصلا بهشاشته الموروثة عن سنوات انتقال طالت اكثر من اللزوم .
استكمال بناء الهيئات الدستورية شرط لذهاب مطمئن للاستحقاقات الانتخابية لكن هل يسمح وضع التوجس السياسي باستكمالها .رئيس الجمهورية في تهنئته البارحة اشار الى هذا الملف مؤكدا فضل التباهي امام الامم بالانجاز الديمقراطي ما يجعلنا نتوقع ان الرئيس يجنح اكثر الى ظهور عهدته المشرفة على نهاياتها اكثر ميلا الى نصرة الديمقراطية التوافقية منها الى خيار المواجهة الذي بدا على ممارساته في الاشهر الاخيرة ابان صراعه مع ساكن القصبة و شيخ مونبليزير .
قمة عرب يتحولون و تعصف بعالمهم و نظمهم زلازل جيواستراتيجية فارقة ستكون ربيع هذا العام في عاصمة " الربيع العربي " الاقل تضررا من مسار ربيع تحول خريفا عاتيا في اغلب العواصم العربية التي مر بها او اقترب من حدودها .قمة قد تشهد قرارات و خيارات تتراوح بين ما يرضي انظمة متناقضة ارهقتها الارتهانات للقوى الدولية المتصارعة على الشرق العربي و بين انتظارات شعوب تزدحم مطالبها من الانتظارات الاجتماعية الى الحريات السياسية وصولا الى التحرر الوطني و مقاومة عدو صهيوني يمعن في صلفه في علاقة بقضية الامة الاولى فلسطين و قدسها الشريف.
هي سنة حاسمة تبشر بآمال و تنذر بمخاوف و لكننا سنحياها مرة اخرى و قد وهبنا عقولنا الى جفاف شان عام اجهز لعله على رقة اهتمامنا بذواتنا المتعبة .