عاد هذه الأيام على شبكات التواصل الاجتماعي أحد الشعارات التي كتبت على جدران القصبة قبل ثمان سنوات "نحن جدودنا فلاقة..."، كما عادت للظهور من جديد على الفيسبوك بعض قائمات القوادة أو المخبرين حسب التسمية الواردة في الوثائق المنشورة، وهذه ليست المرة الأولى التي تظهر فيها مثل هذه القائمات، إذ تذكّرنا بما تمّ خلال الأشهر الأولى من سنة 2011، عندما ظهرت قائمات مثلها أو هي نفسها مما وُجد في أرشيفات المقرات الأمنية أو مقرات لجان التنسيق التجمعية.
وفي البعض منها معلومات عن الصبابة حسب اللغة الشعبية أو "الموطنين الصالحين" حسب الخطاب الرسمي، عن المبالغ التي كانوا يتقاضونها وتتراوح بين ستين ومائتي دينار، كما على البعض منها عناوينهم وأرقام هواتفهم القارة والجوالة وكذا مهنهم وأماكن عملهم، والملفت للانتباه أنهم من كل القطاعات تقريبا بما في ذلك أطباء ومحامون وصيادلة ورجال تعليم وطلبة وموظفون، وهو ما يعكس مدى امتداد هذه الشبكة والتفافها حول الجميع، وقد رأيت في إحدى القائمات اسم قوّاد سمي كاتب دولة في 2017.
المعلقون انقسموا إزاء نشر تلك القائمات بين من يستزيد منها طالبا نشر أسماء القوادة، وبين من يستنكر النشر بدعوى أن للقوادة أبناء وعائلات الخ، وربما خوفا من الفتنة والبغضاء، داعين من ناشريها حذفها.
أما السؤال الذي يستحق أن يطرح: لماذا تعود هذه القائمات الآن؟ ربما يظن البعض أن الأمر يرتبط بالكشف عن عددهم، وكيف لا يثير الاستفزاز حتى القرف اكتشافُ جيش من القوادة قوامه أربعون ألفا، جيش بلا وجوه ولا ثكنات يحاصر مجتمعا كاملا طيلة عقود، كتائبه موجودة في الشارع وفي مكان العمل وفي الإدارة وفي المقهى وفي المستشفى وفي كل مكان، يحصي أنفاس الناس، ويفتّش في الأفكار، ويجمّع ما قد قصّوه من أحلام لأفراد عائلاتهم أو أصدقائهم، ويفتش حتى في زبالتهم، ويحاسبهم على ما فيها؟
سنحت الفرصة أمام هؤلاء حتى يعتذروا، فلم يفعلوا طيلة السنوات الأربع من عمر هيئة الحقيقة والكرامة، بل تباروا في شيطنتها ومحاصرتها والتشويش على أعمالها، ورابطوا أمام مقرها أكثر من مرة مطالبين بمحاكمة رئيستها.
كما حرصوا على شيطنة عشرات الآلاف من ضحاياهم، ضحايا الاستبداد ممن أطردوا من تعليمهم أو أشغالهم وممّن تم تخريب علاقاتهم وعائلاتهم ومستقبلاتهم وتدمير حيواتهم، لا فرق بين يوسفيين ويساريين ونقابيين وإسلاميين وقوميين ولا منتمين وغيرهم، وعمال وطلبة وبطالين. هؤلاء لا يرى فيهم جيش القوادة إلا إرهابيين، أو أن لا أحد كلفهم بالنضال، أو أنهم ينهبون ميزانية الدولة.
عندما لا يعتذر القوادة عما ارتكبوه مقابل أموال طائلة تسلّموها ومكانة فازوا بها وامتيازات لهم ولأبنائهم، وعندما يستجمعون قواهم للتأثير على الرأي العام، وعندما يضيّقون من جديد على ضحاياهم في عيشهم أو يهددونهم بالسجون والتعذيب والمنافي، عندما يقولون إنهم عائدون، فهل نستغرب أن تُنشر أسماؤهم؟ وهل ننتظر أن يمرّ ذلك دون ردود أفعال أدناها فضحهم؟