حوارٌ وقع البارحة بين الطبوبي والشاهد، على الساعة منتصف الليل إلا دقيقتَين بالضبط،؟

Photo

مقدمة: "ظاهرلِي الطبوبي رْجعْلو شاهد العقلْ واسترجلْ، وِقْفَتْلو شعرة سَيدْنا عَلِي، وحَبْ يعملْ كِسِيدو الحبيب عاشور عندما استقال من اللجنة المركزية للحزب الدستوري وتمرّد على بورڤيبة".

الحوارُ، كما وَرَدَ في النسخةِ الأصليةِ:

الطبوبي: والآن سنهجم عليك وعلى "اللّيِتْشَدَّدْلَكْ"، سنغزوكم في عقرِ دياركم، في المرسَى وسيدي بوسعيدْ، لنسترجع منكم وعنوةً الثورة التي سرقتموها من سيدي بوزيدْ. سنأتيكم من كل حَدْبٍ وصَوبٍ، عُزَّلاً، حفاةً عراةً، مشيًا وقفزًا، أطفالاً، شيبًا وشبابًا، نساءًا ورجالا، وعلى كل ضامرٍ من كل فجٍّ عميقٍ، هْمامَّ، فراشيش، مثاليث، جريدية، ڤْفاصَى، ڤوابسية، بني زيد، جِمِّنِينْ، نْفاوْزَة، مْرازيڤ، أولاد سيدي عبيد، امّازيغ، وِرغِمَّة، زْلاسْ ومَّاجِرْ، وغيرهم من أسيادِك الشرفاء المتواجدين في كل برّ تونس، عروش القرى والمدن وأحزمة المدن حتى في مرساك وبوسعيدك يا بومنِيجِلْ! سنأخذُ كل ما تملكون ولن نكتفي بأقل من ذلك.

نريدُ أن نفتكَّ زمامَ السلطةِ منكم، ونتولّى إدارة البلاد من بنزرت إلى بنڤردان، ونعزلكم في إقامة جبرية في تونس الشمالية، يا حارة هِمّالْ.

افتحْ عينيك الزرقاواتَين التي ورثتهما عن المستعمر، العين اليمنى من التركي واليسرى من بوبِرطِلّة، وتمعّن في أيادينا الخشِنة. ثورة البرويطة زاحفة، لا محالة قادمة، ثورة علِي البوعزيزي قادمة يا عِجلْ، أشعلْناها فتنةً كبرى، أمّ المعارك وآخرها، والنصرُ فيها سيكون، بحول الله هذه المرة، علَى معاوية، وبأيادي علِي سنثأرُ فيها لسيد الشهداء علِي. سنقضي على حكمكم ونحطّم عروشكم فوق رؤوسكم، النهضةُ أمامكم والشعب الأبيُّ وراءكم، فأين المفرْ يا غِرْ ابن الغِرْ!

أيادينا القوية ستأخذ منكم قصورَكم، حدائقَكم، أحصنتَكم البخاريةَ، وكل وسائل عيشكم الرغد يا أوغاد. سيأتي يومٌ، تضطرون فيه لركوب البِغالِ يا رؤوس البِغالْ، وتحتاجون فيه للعمل بأيديكم الناعمة لتكسبوا قوتَ يومكم، مثلما نفعل نحن طيلة التاريخ.

حِقدٌ طبقيٌّ؟ إيهْ.. نعم.. حِقدٌ طبقيٌّ ونصف. ألستم أنتم مَن خلقَ الطبقات يا "روسْ اللحمْ"، مَصَصْتُم دماءَنا وانفصلتم عن طبقتِنا كالبعوضِ يا بعوضَ الأرضْ.

بعد دقيقةٍ بالضبط، جاء الردُّ من تاريخِ السلطةِ العالَميةِ مُزلْزِلاً:

الشاهد: أهذا كل ما عندك، يا مُزكّي بن علي مرّتين، "قالّو وقتاش انوَلّو شُرْفاء؟ قالّو وقت اللِّموتو اكْبارْ الحومة". كل ما عندك لا يزيدُ عن جعجةٌ اعتدنا عليها، و"الصوفْ يتْباعْ بالرزانة يا فْرِيفْطة".
خذها نصيحةً منّي يا "امْسَتَّكْ"، خذها من وِلدكْ، صحيحٌ أقل منك عمرًا لكنني أذكَى منك وأكثر منك عِلمًا.

ليس لديّ وقتٌ أضيّعُه مع أمثالكَ في مهاترات فارغة وعنتريات شعبوية دونكيشوتية. تتباهَى عليّ بأيادي العمّال القوية يا مُدمغِج العمال، أعلمك أن لنا أيادي طويلة، ولِحامينا أيادي طُولَى وامتدادات أطول. أوَ تظن أننا نوظِّفُ أياديَ نهضاويةً يا ساذِجْ؟

حامينا يا سيّد وِذنِي، هو سِيدي وسِيدك وسيد النهضة وسيد العالَم كله (عدو الشعوبِ كلِّها)، وأياديه أقوى من كل الأيادي، سيدٌ اسمه الدوائر المالية العالمية. الدوائر التي يُصلِّي لها ماكرون كل يوم السبت طلبًا للنجدة من براثن السترات الصفراء. فكيف تلومني أنا أن أسبّحَ بحمدها بُكرةً وأصيلاً؟

تهددنا بالاستيلاء على قصورِنا، "جرّب فُوتْ التيجِييامْ يا رْزامْ"، ستُريك الأيام من قوتنا ما أنت جاهلٌ يا أمّي! "رِيضْ خِيرْلَكْ وخلِّي الفتنة والعروشْ راڤدين، لَعَنَ الله الفتنةَ ومَن أيقظها وأيقظهم، واستَحِ يا فاجِرْ". هبطتْ عليك الشجاعة ضربة واحدة، أنَسيتَ ماضيك "النضالي"، يوم كنتَ تركع طواعيةً أنتَ وجميع أفراد جوقتك لسيدكم بن علي، ألم توصوني كلكم على قنصلية أو سفارة أتركها وصية تضمن لكم مستقبلكم بعد مغادرتي الوزارة؟

أنا حاميك يا لَحّاسْ، فالحَسْ حِذائي علّني أغفرُها لك هذه المرة، وإلا، فجوابي سيصلك قبل صلاة الفجر، جحافلَ مدججة بسلاحٍ لم تعهده من قبل، وسنجعل خميسَك القادم أسودَ من خميسك السابق في 78.

سنطحنُك ويسارييك وقومييك، ولن تجد مَن يُصلي عليكم ويشيِّعُكم إلى مثواكم الأخير، سنجعل من جلودكم نِعالاً لدوابِّنا وستمر حوافر خيولنا على وجوهكم، وتدوس كلابُنا على صدورِ نسائكم وأناملَ أطفالِكم يا مَن لا بواكيَ لَهمْ.

نحن أسيادُ هذا البلدْ، فاستوِ يا وَلدْ، نحن الفُسّادُ أسيادٌ وأسيادُ، ولم ولن تعرف طوال التاريخ أسيادًا غيرنا. نتشرّف بنسبِنا ولا ننكر أصلَنا، فُسّادٌ لكننا بُناةُ حضارات. فلولا فسادُ الرق لَما بُنيتْ الأهرامُ، وشُقّتْ قناة السويس، ولَما ازدهرت أثينا وفي الفلسفةِ تكلم سقراط وألّفَ أفلاطون، ولَما سُلِبتْ حرية الإنسانِ من الإنسانْ على مَرِّ العصورِ والأزمانْ.

ألا ترى يا جاهلْ أن أكبرَ الدولِ التي أفشت الفسادَ قصدًا في المجتمعات المستضعفة وساهمت بقدرٍ كبيرٍ في إفسادِ البيئةِ، أرضًا وجَوًّا وبحرًا، الدول الرأسمالية الليبرالية المتوحشة، تُصنّفُ اليوم وحسب علومها السياسة والاقتصادية كأرقى الدول وأعلاها، وأن الشعوبَ كل الشعوبِ ومهما كدّت وجدّت واشتغلتْ، تُصنّفُ دومًا في خانةٍ أسفلَ وأدنَى.

ألا تتعلم من التاريخ يا كائن خارج التاريخ، أنت ومَن استنصرتَ بهم، وبلغ عاطر سلامي إلى "الدُّبّيرْ امتاعكْ"، ابن خالتي، صاحبك العِجلْ، ولا تنسى أن تُبلِّغ تحياتي إلى جاري في المرسى باعث القناة، ولا يغرّنّكَ بثه لخطابك كاملاً يوم الإضراب العام فقد بثَّ قبلك لِسيده السابق بن علي، وبثَّ لحمّة، وسيبث بعدك لي ولأمثالي، جيرانُه وعزوتُه عندما "تِتْحَكْ الركُبْ وكل إيدْ تِعرِفْ أختها"، وإن تماديتم ومشيتم اليد في اليد فهذا ما نتمنّاه لكم الثلاثة، لأنه سيعجِّل بنهايتكم ويكفينا شر قتالكم، ويكون سببًا في هلاكِكم جميعًا.
العروش الأصيلة المتأصلة تعي جيدًا أنّ السلطةَ في الحكم ومعارضتَها الانتهازية، كلهم أعداءٌ تاريخيون لهم.

ألا تفهمُ، أنا الشاهدُ، وحتى لو تخلّصتَ منّي في الخميس المضاعَف القادم، فلا تظنن أنك فعلاً تخلّصتَ منّي، ستجدني أمامك مُستَنسخًا فيك، في النهضة، في المشروع، في حركة الشعب، وحتى في اليسار لي نُسخٌ عديدة، ربما يتغير الاسمُ ويبقى اللقبُ شاهدًا، شاهدًا على انتهاء حقبةِ وبدايةِ حقبةٍ من نفس العصرِ أشد، لكنها بثوبٍ جديدٍ، لا دورَ للنقابات المناضلة فيه، وأنت وُلِدتَ مناضلا مع حشاد، ثم أصبحت مع بورڤيبة شريكًا ومع بن علي مُدجَّنًا، و"الحجرة ما تذوبْ والانتهازي ما يتوبْ، وكانْ عندك ريحْ ذُرّي عشرَه". لا سلام و"الشجاعة اللِّتْخلِّفْ الذلْ، بلاشْ بيها خِيرْ يا خرّايْ".

ملاحظة: احذَروا تشابُهَ الأسماءِ، فالطبوبي ليس نور الدين الطبوبي، الأمين العام الحالي للاتحاد العام التونسي للشغل، والشاهد ليس يوسف الشاهد، الرئيس الحالي للحكومة التونسية.

ملاحظة للأمانة الأدبية: حوارٌ من نسج الخيال من ألِفِه إلى يائِه، فكرةٌ مستوحاةٌ من جريدة "لوموند ديبلوماتيك"، جانفي 2019، ص 18، من كتاب الروائي الأمريكي جاك لوندون: مناضل اشتراكي يواجه "أسياد اليوم في عقر ديارهم".

إمضاء مواطن العالَم

"النقدُ هدّامٌ أو لا يكونْ"،

"المثقّفُ هو هدّامُ القناعاتِ والبداهاتِ العموميةِ" فوكو،

و"إذا كانت كلماتي لا تبلغُ فهمَك فدعْها إلى فجرٍ آخَرَ" جبران.

Commentaires - تعليقات
Pas de commentaires - لا توجد تعليقات