النقاشات التي شهدتها المواقع الإجتماعية والإعلامية حول حادثة مدرسة الرقاب ممكن نستنتج منها ما يلي:
أولا: في تونس هناك سلفيتان: السلفية الدينية والسلفية الحداثية وكلاهما أكثر اتباعا للسلف الصالح من الآخر. تشدّد غريب وتمسّك بقوالب جاهزة ومُسلّمات ويقينيات.
السلفية الدينية مُقدّساتها: الله والقرآن والسنة والسلف الصالح. (شكلا وليس مضمونا).
السلفية الحداثية مُقدّساتها: الدولة والقوانين الوضعية ومؤسسات الدولة الوطنية الحديثة. (شكلا وليس مضمونا).
ثانيا: يبدو أنّ الإسلاميين أكثر قابلية لمناقشة المُسلمات واليقينيات وهم بصدد التخفّف من ثقل الأيديولوجي والعديد من المواقف بدت عميقة ومؤسسة (نور الدين الغيلوفي وسامي براهم أنموذجا) وفي أغلبها أكثر انسجاما مع السياقات التي تعيشها البلاد (عبد اللطيف المكي) من مواقف "جمهور الحداثيين" عند مناقشة "تقرير الحريات الفردية".
ثالثا: بعض المناقشات أظهرت أنّ الإسلاميين أكثر ليونة وأكثر تنويرا (غفران الحسايني) من أغلب الحداثيين (مواقف بعض الجامعيين)....
رابعا: وهي الملاحظة الأهم عاينا وجود إسلام (ات) وليس إسلاما واحدا وأيضا وجود حداثات وليس حداثة واحدة... وهذا التعدّد والتنوّع في زوايا النظر داخل "التوليفة الواحدة" يفتح آفاقا نحو تأسيس مناقشات عميقة حول مفهوم "الدين" و"الحداثة" و"المُجتمع" و"الدولة"... مناقشات قد تقودنا إلى إعادة تعريف "المُشترك" الذي قد يحلّ محلّ المجتمع والدولة في صيغتيهما التقليدية. وبالتالي يُصبح مفهوم الدين والحداثة مُغايرا لذاك المفهوم الذي صاغه السلف الصالح(1+2).
الخلاصة: تحوّل هذا الفضاء المُقاوم (رغم مُحاولات التبخيس) إلى منصّة تدور حولها مناقشات قد تبدو من الوهلة الأولى بسيطة ودون ذي جدوى وقد يراها البعض عقيمة ولا تُنتج الفكرة... لكن التفاعلات والتعليقات على التفاعلات والغليان الجماعي ومُشاركة الجميع في المناقشات دليل على وجود وعي مواطني بصدد التشكّل وتلك المناقشات بهناتها تُمثّل بداية البدايات... التدرّب على ممارسة التعبير بحرية ودون خوف شرط أساسي لتأسيس عالم اللاّ-خوف.