باحت بالأمس نتائج المجالس العلمية بالجامعات التونسية بكامل أسرارها معلنة عن اكتساح نسبي للإتحاد العام التونسي للطلبة الفصيل الجامعي لحركة النهضة للمقاعد المتنافس عليها صحبة الاتحاد العام التونسي للطلبة ممثل اليسار بالحرم الجامعي.
نتائج جاءت لتؤكد مسلسل الفشل الذي يعرفه اليسار التونسي و عجزه على بسط نفوذه و تموقعه صلب المجتمع التونسي و خاصة لدى الجماهير الشغيلة و البسيطة و التى بالأساس تمثل الفئة المجتمعية التى من أجلها انبثق الفكر اليساري المدافع على حق البسطاء في العيش الكريم في ظل الهيمنة الليبرالية على السياسة المحلية و الدولية.
بالرجوع إلى أسباب السقوط الطلابي و أسبابه الجوهرية، فإن الأسباب قد تكون لا تختلف كثيرا على أسباب الفشل الذي لحق الجبهة الشعبية خلال المحطات الإنتخابية السابقة بتونس. للأسف ظل الخطاب المقدم، خطاب تقليدي غير خاضع لمراجعات فكرية و سياسية و ظل خطاب هجومي و اتهامي للمنافس السياسي الأول و المتمثل بالإسلاميين، إذ ظل الرفاق يقومون على حصر الصراع في زاوية الهوية و الايديولوجيا بدون البحث عن تغيير التكتيكات أو حتى تغيير القيادات السياسية التى لم تقدر على تقديم اليسار التونسي بصورة التيار السياسي القادر على استمالة فئة كبيرة من التونسيين بمختلف مستوياتهم الإجتماعية و التعليمية، إذ أن القاعدة الجماهيرية ظلت حكرا على النخب الفكرية و بعض الحالمين بالفكر الثوري و الذين بدورهم أساءوا كثيرا للفكر اليساري بقدر ما نجحوا في القدرة على الوصول به إلى التيار القادر على الفوز بإجماع التونسيين و وبالتالي حصوله على فرصة الحكم و تقديم برامجه الإقتصادية و الاجتماعية.
من الأسباب الهامة الأخرى و التى لا تقل أهمية هي ابتعاد الخطاب على كل ماهو إجتماعي و خاصة جعل ورقة حقوق المرأة ورقة مهمة في تصورات اليسار، الحقوق هي في الاصل حقوق كونية و جامعة لا تخضع لجنس الفرد، إذ أصبح البحث عن حقوق المرأة كأولوية فكرية و سياسية دون التشخيص السليم لحقوق المرأة الحقيقية من جهة و تغافل عن كونها إنسان بالمقام الأول و جعلها ورقة سياسية بالامتياز، جعل هذه النقطة نقطة ضعف بقدر ماهي نقطة قوة، إذ يراها الكثيرين ابتعاد حقيقي عن المشاكل الرئيسية التى يعيشها المجتمع التونسي و يعتبر أن المعركة الحقيقية هي معركة اجتماعية تخص ملفات الفقر، التعليم العمومي و مقاومة الفساد بعيدا عن كل المواضيع ذات طابع ايديولوجي لن يقدر اليسار من خلالها على كسب كل معركة فكرية ايديولوجيا و نحن في دولة تعاني حالات فقر فكري كبير.
الوضع الحالي يجعل من اليساري من الدخول إلى غرفة التشخيص، و البحث عن أسباب السقوط المتواصل و القيام بعملية نقد و مراجعات كثيرة من أجل تصحيح الأمور و إلا أن هذا التيار الفكري و السياسي العريق سيدخل في حالة موت سريري.