أسال تقديم حزب الوطد منجي الرحوي كمرشح للانتخابات الرئاسية القادمة الكثير من الحبر و أثار حفيظة بقية مكونات الجبهة الشعبية و استغرابهم لهذا الترشيح الفردي بدون الرجوع إلى بقية الرفاق و المس بقدسية الزعيم التاريخي و الناطق الرسمي للجبهة الشعبية حاليا.
ردود الفعل العديدة من قيادات الجبهة الشعبية و خاصة حزب العمال تجاه رغبة الرحوي في تعبير عن طموحاته السياسية تبين حالة سيزوفرانيا التى تعيشها الطبقة السياسية في تونس، حالة القول بما لا تفعل.
هذه الحادثة تحيلنا إلى طرح السؤال التالي : هل تحيا الديمقراطية داخل الأحزاب التونسية؟
ما حصل داخل الجبهة و رفض ترشيح الرحوي و إعادة ترشيح حمة الهمامي للانتخابات الرئاسية القادمة بالرغم من فشله في سنة 2014 و عدم بلوغه حتى الدور الثاني، هو عينة و صورة موجودة داخل جميع الأحزاب السياسية في تونس كبيرة كانت منها أو صغيرة.
بالرجوع إلى الماضي لم يتسع الحزب الحر الدستوري لشخصيتين مهمتين و انتهى الصراع البورقيبي اليوسفي بابتعاد صالح بن يوسف عن دائرة الأضواء في مرحلة الأولى حتى تغتاله أيادي الغدر سنة 1962 و ينعم الحبيب بورقيبة بالراحة و يثأر بالزعامة بمفردة و يفتح صفحة جديدة لمسلسل الزعامتية التي سكنت عقول السياسيين التونسيين من يمينهم إلى يسارهم ضاربين بمفاهيم الديمقراطية و التدوال على الكرسي عرض الحائط.
بعد الثورة، تغييرت الخارطة السياسية في تونس فتم حل التجمع الدستوري الديمقراطي و تمكنت عدة أحزاب تاريخية من الخروج إلى العلن و الحصول على التأشيرة القانونية و الشعبية للعمل السياسي بتونس مابعد الاستبداد. هذا التغيير كان فرصة مهمة لعديد من الأحزاب إلى إعادة هيكلة نفسها و القيام بموتمراتها الجهوية و المركزية و ضح دماء جديدة من الشباب بعد مسيرة كبيرة حافلة بالنضال من طرف المؤسسين.
لكن بمرور السنوات لم يحصل هذا التغيير إذ ظلت دار لقمان على حالها و تدعمت سلطة الزعماء التاريخيىن و تحولت الانتخابات داخل الأحزاب إلى انتخابات صورية، نتائجها معلومة سابقة في ظل دكتاتورية الزعيم الأوحد.
حركة النهضة لم تغير من زعيمها و شيخها الماسك بشدة الرئاسة منذ التأسيس و كل الدلائل توحي إلى إعادة تزكتيه بالمؤتمر القادم في ظل غياب الإرادة لدى بقية القيادات التاريخية في لعب دور البديل الأني و المستقبلي.
حزب العمال الشيوعي أكثر الأحزاب التي تطالب بتأسيس دولة ديمقراطية قوامها الحرية و التعددية الحزبية و التداول السلمي على المناصب نراها فشلت في أول اختبار لتكريس هذه المفاهيم و تعلن أن الاقتراب من منصب ستالين تونس هي جريمة سياسية لا تغتفر، فقبرت أحلام الرحوي و من ورائه الوطد الموحد، حزب الراحل شكري بلعيد وتحولت إلى مجرد ذكريات سيلفها النسيان قريبا.
هذا الداء الذي تعيشه النخبة السياسية لم يقتصر على النهضة و الجبهة، فالرئيس السابق منصف المرزوقي مؤسس المؤتمر من أجل الجمهورية و زعيمه التاريخي نراه الأن رئيس لحزب حركة الإرادة و راغب من جديد في ترشيح نفسه من جديد في غياب البديل القوي.
حركة نداء تونس منذ يومها الأول قامت على صورة الزعيم الأوحد و الأبدي الباجي قائد السبسي و الذي منذ وصوله لقصر قرطاج تفتت النداء و غرق في وحل حرب الزعامات و الصراعات و يفشل الحزب من القيام بمؤتمره الانتخابي لحد الأن بعد 6 سنوات من التأسيس.
منذ الثورة عرفت تونس ثلاث رؤساء جمهورية و ستة رؤساء حكومة و فيلق كبير من الوزراء كتعبير عن حالة الانتقال الديمقراطي الذي تعيشه تونس إلى أن في المقابل لم تهب رياح التغيير و الديمقراطية داخل أسوار الأحزاب لتظل تلك شعارات مجرد أدوات لتحقيق المراد.