مع اقتراب كل محطة انتخابية يشتد الصراع بين مكونات المشهد السياسي في تونس مستعملين كل الوسائل الشرعية و الغير الشرعية و تحويل الصراع لصراع هوية و نزاع فكري بدون طرح اقتصادي و اجتماعي واضح لكل حزب.
طيلة ثماني سنوات من اندلاع الحراك الشعبي و تغيير الخارطة السياسية في تونس باعتلاء حركة النهضة سد الحكم كمكون أساسي لحكومة الترويكا، عرفت تونس اغتيالين سياسيين أودى بحياة كل من شكري بلعيد زعيم حزب الوطد و محمد البراهي رئيس التيار الشعبي.
هذه الاغتيالات كانت طوق نجاة لمعارضي النهضة و فرصة كبيرة بتشديد الخناق عليها و اتهامها بتحملها المسؤولية الكاملة في عملية الاغتيالات و تسترها على الجناة. منذ لحظة وقوع الجريمة تنطلق العديد من الأصوات في كيل سيل من الاتهامات لأطراف معينة دون سواها حتى قبل أن تجف دماء الضحايا كبحث عن اقتناص الفرصة و تضييق الخناق أمام منافس سياسي ذو إيديولوجية مختلفة.
الجبهة الشعبية الجهة المعنية قبل غيرها بعمليات الاغتيالات باعتبار أن شكري بلعيد أحد قياداتها البارزة استغلت هذا الوضع و بنت حرب إعلامية و اتصالية تجاه حركة النهضة مستغلة هذا الحدث،إذ تحول يوم 6 فيفري موعد قار لأنصار الجبهة للخروج في حركات احتجاجية مطالبة للكشف عن قتلة بلعيد و البراهمي.
ابتعدت الجبهة الشعبية عن بعدها الاجتماعي و الاقتصادي في طرحها السياسي و تحولت قضيتها الأزلية هي محاربة حركة النهضة انطلاقا من ورقتي بلعيد و البراهمي. هذه العمل السياسي الذي تحول بمثابة تجارة بدماء الضحايا لم يكن حكرا على الجبهة فحادثة الاعتداء على قبر الشاعر الصغير أولاد أحمد مثلت حلقة جديدة من هذا الصراع و تحول إلى مزايدة سياسية لدى العديد من الأحزاب التي سارعت لترويج على أن الاعتداء قامت به فئة ضالة تحمل خلفية فكرية و ثقافية تشجع على ثقافة الرفض على حساب ثقافة الحياة و الإبداع رغم نفي وزارة الثقافة لحادثة الاعتداء معتبرة أن الأمر مرده عملية ترميم و تزويق لقبر أولاد أحمد.
بيان الوزارة لم يثني الكثيرين من مواصلة حملتهم في استغلال شخصية الشاعر لتمرير العديد من الرسائل و كسب العديد من النقاط في سباق الوصول إلى القصبة و قرطاج. يحمل بلعيد، البراهمي و أولاد أحمد تاريخ حافل من النضال السياسي و الثقافي بصم على قيمتهم بالرغم من رحيلهم مبكرا لكن للأسف هناك العديد من الأطراف لا ترغب لهم النوم في سلام بقبورهم و سارعت نحو التجارة بدمائهم و بأسمائهم.