إن من جملة ما يعيق عامّة النّاس عن إكتساب المواهب والترقّي من المستوى المنخفض حضيض الطّين والمادّة إلى المستوى العالي من علياء الرّوح وجواهر المعاني.
1- الحريّة المطلقة أو وهم الحريّة وزيف الإعتقاد بذلك بدون ضوابط وتقييد فينتج عنه الإنبساط والغرور والعجب والكبر والتصوّرات الخاطئة بعلو الرّتبة والنّسب والقبيلة والشّرف والذكاء والإرادة والإنجاز والتمكّن .
إنّ حقيقة التّفاضل في الرّتب والنّسب بين النّاّس قائمة وذلك لإختلاف المواهب والإستعدادات والطاقات والمورّثات والظروف والبيئة المهيئة لتفجير مخزون الذّات وإستخراج دررها ولكن لا كما يتخيّله الموهومين الأدعياء فإن أولى الرّتب والأفضليّة والإصطفاء للأنبياء والمرسلين وأهل الفضل والصلاح فلا حريّة مطلقة لذواتهم فهم المقيّدون بالشّريعة والملتزمون بالدّعوة وتبليغ الرسّالة السماويّة فلا إستعلاء وإنبساط دون تقييد فًهُمْ في خدمة ربّ العباد تحت لطفه وعنايته وحلمه ورحمته. العامّة والسّوقة لا يتقيّدون ولا يقفون دون حقّهم بل يتجاوزون يتوهّمون حريّة زائفة وإن تقيّدوا ظاهرا فبظاهر شريعة فإنها لا ترتقي إلى معالجة حقائقهم العدميّة والطينيّة ومكاشفة أسرارهم .
إلى جانب وَهْمُ حرية السّباحة في بحر الدّنيا والسّياحة في بيدائها وأرجائها الفسّيحة دون قيود وضوابط شرعيّة.
2-يتمكّن من عامّة البشر الإنفعال والإنشغال والتعلّق والإرتباط بشواغل ومشاغل الدّنيا وهمومها ويظهرُ ذلك في شّعور الإنسان وسعيه وبيانه وحركته المستمرة ذهابا وإيابا وسيره دون نقد وفرملة للشّعور وللمشاعر والأحاسيس إن كانت صادقة أو كاذبة وما أبعده عن التفطّن لصيرورته وحقيقته وهويّته الأصليّة فيفقد التأمّل والتفكّر والتذكّر والتدبّر والبحث والغوص في أعماق الذّات وخبايا النّفس لسهولة إنجذابه للعالم الحسّي ويُسر تعلّقه بالحظوظ الدنيوية وكلما تراكمت الأسباب والمسبّبات والعلائق ازدادت العوائق المانعة لمطالعة الغيوب وزادت سلبية روحانيّة الإنسان وتعقّدت وتعسّرت عروج العامّة وإرتقائهم من أقصى إنحطاطهم المادّي إلى أسمو سموّ روحانيتهم وعرفانهم فما ثمّ إلاّ القواطع والموانع والعقبات لإلتصاقهم بالحسّي الماديّ وإنشغالهم وإنصرافهم لقضاء حاجياتهم وضرورياتهم وكمالياتهم الماديّة التي لا تنتهي فلا أمل لإستجلاء الأمور في بواطنها والتمكّن من حقيقة الذّات والهويّة إلاّ بكسر الحواجز وتجاوز العقبات وإتّخاذ مسافة الآمان من كل ما يحيط بالإنسان والعزل والإعتزال الظرفي في بعض الأحيان لإعادة ترتيب الأولويات وتصحيح المسار وأيضا عدم التبنّي التلقائي الآلي اللامشروط لكل ما يعرض ويقدّم والإنفصال من القيود والشواغل الدنيوية ومظاهرها وظواهرها مع التقيّد بضوابط الشّريعة نقضا للحريّة الزّائفة والإنبساط وذلك ليتّسع مجال ومساحة الباطن وينحسر مدار الظّاهر لعل النّفس تستكين وتهدأ وتباشر عللها وروعوناتها وتزكّي بالأعمال توجّهاتها وتصلح إنحراف وإعوجاج سلوكياتها من شتّى السبل إلى الصراط المستقيم ومن الحقيقة الوهميّة للهويّة الذاتيّة إلى الحقيقة المحمديّة .
فبين وهم الحريّة الزائفة والشواغل والمشاغل الدنيويّة تاه عامّة البشر في الزّيف وشتّى الشّبهات والضلالات إنبساطا وتقييدا للذّات وسجنها في مدار إدراكها وحسّها لتبتعد عن مواراد السعادات.
فمتى تنقشع غيوم الشّبهات وسحائب الظلمات وجذبات الغفلات والسهوّ عن مباشرة حقيقة الذّات ؟ فمن إذن لصحوة البشر ويقظة الضمير تنبيها ووخزا وتحفيزا ؟