أحسّ بكثير من الحزن وأنت تقرّر تجميد رواتب الأساتذة الذين أنت منهم، إن اعتبرت نفسك أستاذا. ولتعلم أيّها الوزير المختار لا المنتخب أنّك كلّفت بإدارة الصعوبات، وتنمية القطاع، وتجديد أمل الطلاب والطالبات، والبحث عن آفاق جديدة تمنح البلاد عزّة، والشباب تعلّقا وافتخارا بوطنهم، والباحثين مزيدا من الإقبال على الابتكار.
وإذا بك تعجز في آخر المطاف عن محاورة زملائك الذين هم المعنيون قبلك بمباشرة التدريس والبحث والتطوير. بل تتجرّا عليهم بقطع رواتبهم، وتشويه سمعتهم، والنيل من أرزاقهم...وتتعلّل بتطبيق القانون والالتزام بسياسة الحكومة..
أخشى ما أخشاه أن تصيب لنفسك ما أردته لغيرك. وأخشى أن تنال البلاد بقراراتك أزمة أخرى تضاف إلى ما نحن نعاني منه.
وقد قالوا: "سلم من أنصت إلى الناس فوعى". ولا أظنّك قادرا على ذلك لأنّ وهم الشباب قد أحكم المغالق، وإذا استبدّ الصلف بالمرء فسد رأيه، وقلّ سداده، وكثر حديثه، وبطل نفعه.
وليعذرني زملائي الذين قضيت معهم أكثر من 40 سنة في رحاب الجامعة التونسيّة التي حلمنا بآفاقها، أن أعبّر لهم عن حزني لما أشاهد اليوم من تردّى أوضاعهم، وفساد الحالة الجامعيّة، وإقدام الوزير على قطع رواتبهم. وإنّي أحذّر مرّة أخرى من ذلك وأعبّر لزملائي على اختلاف اتجاهاتهم النقابيّة عن مساندتي لمطالبتهم بحقوقوهم، ورفضي أن تقطع رواتبهم.
وأحذّر النقابيين كلّهم من الافتراق في هذا الشأن لأنّ حقّ الجامعيّ حقّ كل زميل.
كم أحزن أن أراك لا تعي شيئا ممّا يجري ببلادنا أمام عينيك. كم أحزن أن أراك تتجرّأ على كفاءات تونس الوطنيّة. كم أحزن أن أراك تأمر بضرب طلبتنا وثروتنا من الفتيات والفتيان، وهل تظنّ أنّ ذلك الأسلوب ممّا يليق بوزير التعليم العالي، وزير المعرفة والعلوم والثقافة والقيم؟
ولتعلم أنّ تونس لن تفرّط في التعليم العمومي الذي آواك وعلّمك وأنفق عليك، وأخلص لك كما أخلص إلى سائر ناشئته. وأقول لك لن يردّ الطلبة عن مطالبهم الوطنيّة شرطة العصا، ولن يردّ الأساتذة عن آرائهم قطع رواتبهم، وتجويع أبنائهم، والتعالي عليهم بما ظننت سلطة.
فالباقي لأهله هو حقّهم،
والباقي لأصحابه هو وطنهم،
والباقي لذوي العزائم من أبناء تونس هو جرأتهم على من يخرّب مكتسباتهم، دون انتظار جزاء.
وددت أن تكون وزيرا للتعليم العالي والبحث العلمي.