الجبهة الشعبية كانت في البداية قطبا ثالثا صاعدا وأملا يساريا و وطنيا واعدا بكسر الاستقطاب الثنائي في تونس بين يمينين، ولذلك سرعان ما تم استهدافها باغتيالين سياسيين.
تماسكت الجبهة نسبيا وحافظت على خطها الخطابي الراديكالي المعارض للحكومات المتعاقبة المتشابهة ، لكنها لم تكبر ولم تنتشر (مثال البلديات الأخير الكاشف) ولم تتوحد ولم تتطور تنظيميا واكتفت بكتلة برلمانية صغيرة غير مؤثرة فعليا رغم صخبها ،
استنزفتها الصراعات الداخلية بين من تبقى من قيادات ليصبح الهاجس الانتخابوي والمرشح الرئاسي وترؤس القائمات في الجهات معاول هدم ذاتي (لا علاقة له بالنقد الذاتي المطلوب) لبناء هش آيل للسقوط قبل أن يكتمل.
ربما خسرنا مؤقتا، وفي توقيت غير مناسب قبيل الانتخابات القادمة، يسارا احتجاجيا، بلا برنامج واضح بصراحة رغم أهمية طرح مسألة المديونية، ولكن رب ضارة نافعة فتكون هذه المرة فرصة حقيقية لمراجعة شاملة من أجل تكوين قوة يسارية اجتماعية واسعة يكون قوامها ومحركها وقائدها شباب خلاق ما زال يعاني من التهميش.
وإن لم تكن حزبا مركزيا واحدا فلتكن التحالفات الحزبية والمستقلة لمختلف مكونات الجبهة في اتجاهها الصحيح، ولو نحو لون برتقالي يبدو متقدما عمليا و مبدئيا وذا مصداقية، وبعنوانها الأساسي الأصدق من الشعار الحكومي وهو مقاومة الفساد، أصل الداء المجتمعي المستفحل في كل المستويات والقطاعات، بعيدا عن المال السياسي المشبوه، المحلي والأجنبي، الذي ينبغي الاعتراف أنه اخترق أيضا الجبهة القديمة وأسهم في تفكيكها ولوّث بعض رموزها ، وقد آن لهؤلاء، مع احترامنا لتاريخهم النضالي، أن يستقيلوا.