أقرّ قانون الانتخابات مبدأ التناصف والتّرتيب العمودي في الانتخابات التّشريعيّة دون إقرار مبدأ التناصف الأفقي بين رؤساء القوائم، ولهذا أثره في محدوديّة عدد رئيسات القوائم، وليت ذلك كان لصالح الكفاءة، فعدد من النّساء في مراتب متأخرة من القوائم لسن أقلّ كفاءة من رجال تقدّموا عليهنّ ،
فرضَ التناصف العمودي إدماج النّساء صلب القوائم الانتخابية بقوّة القانون وترك رئاسة القوائم لثقافة الأحزاب وقدرتها علي استقطاب النّساء ذوات الكفاءة، وتوفير فرص التكوين والتّأطير السياسي الذي يؤهّلهنّ لإدارة الشّأن العامّ ، إذ من غير المعقول أن لا تساهم النّساء في إدارة الشّأن العامّ في بلد التميّز الدّراسي فيه مؤنّث في كلّ مراحله واختصاصاته
طبعا يبقى التمييز الإيجابي مسألة خلافيّة مثيرة للجدل، بل يتحفّظ عليه عدد من النّساء أنفسهنّ باعتباره إهانة لهنّ ويعتبرن أنّ احترام كرامة النّساء يقتضي الاحتكام إلى الكفاءة فحسب دون اعتبار جنس المترشّح، ممّا يقتضي مرّة أخرى توضيح فلسفة التّمييز الإيجابي.
تقوم هذه الفلسفة على مبدإ مفاده أنّ المرأة والرّجل يتساويان في المؤهّلات الطبيعيّة التي تخوّل لكليهما إدارة الشّأن العامّ ، لكن الثقافة السّائدة هي التي مكّنت الرّجال من التقدّم في هذا المجال بينما عطّلت طاقة النّساء ومهارتهنّ وحالت بينهنّ وبين اكتساب الدّربة والخبرة ، لذلك تميّز عليهنّ الرّجال لا لفضيلةٍ طبيعيّة خلقيّة جينيّة ولكن لمعطيات تتعلّق بالثّقافة السّائدة ،
كما تقوم على معطيات واقعيّة إحصائيّة تشير إلى أنّ الثقافة الذّكوريّة التي لا تزال سائدة تمنع النّساء صاحبات الكفاءة من تقلّد المهامّ عبر الانتخاب لغلبة تلك العقليّة والنّظرة الدّونيّة للنّساء ، لذلك سيبقى النّساء دون فرص معتبرة للدّربة واختبار معارفهنّ ، لذلك التمييز الإيجابي عبر الكوتة أو التّناصف هو حلّ عمليّ ارتأته عديد التّشريعات الدوليّة لتجسير الهوّة بين النّساء وإدارة الشّأن العامّ ،
النساء صاحبات الشّهادات العليا موجودات في المدن والأرياف والأحياء الشّعبية والمناطق المهمّشة ، والتناصف يفتح المجال لهنّ للخروج من التهميش الثلاثي تهميش الدّولة وتهميش الذّكور وتهميش النسويّة المخمليّة المؤدلجة وذلك للتعريف بقضايا النّساء والتنمية حتّى لا يكون ذلك محتكرا من السلطة والجمعيات النخبويّة البرجعاجيّة ،
التمييز الإيجابي مبدأ أخلاقيّ وإنسانيّ ومواطنيّ يساهم في نهضة المجتمعات إذا اعتبرنا أن لا نهضة لمجتمعات نصفها خارج دائرة المشاركة في إدارة شأنها وصنع سياساتها وقراراتها.