يلاحقون الضّحايا ويمارسون عليهم شتّى أنواع الهرسلة النفسيّة والابتزاز الأخلاقويّ للترحّم على جلّادهم الذي لم يصدر عنه لفظ اعتراف بما اقترفت يداه أو اعتذار لمن انتهكت كرامتهم وحرمتهم الجسديّة واستهدفت حياتهم ورزقهم وإنسانيّتهم بأمره وتحت إشرافه ، يريدون إكراههم على طلب الرّحمة لمن دمّر حياتهم، وجراحهم بعد لم تجفّ وذاكرتهم لا تزال مثقلة بصور العذابات والقهر،
لم يصادر أحد حقّهم في الترحّم فلماذا يصادرون حقّ غيرهم في عدم الترحّم ويصمونهم بالحقد ونشر الكراهيّة ومخالفة قيم الدّين؟ ألا تنصّ قيم الدّين على أنّ الله يغفر ما بينه وبين عبده ولا يغفر ما بين العبد والعبد حتّى يغفر العبد؟ أي لا يغفر الله لمن تعلّقت بذمّته مظالم العباد حتّى يغفر أصحاب المظالم أنفسهم ، وفي هذا نصوص كثيرة .
إذا كان لا بدّ من الترحّم فليكن بعد أن يغفر كلّ عائلات الشّهداء والجرحى والنّساء المغتصبات ومن عذّبوا وسجنوا ظلما وحرموا من الرّزق وهجّروا عن وطنهم وحيل بينهم وبين أهليهم ومن وقع تفقيرهم وتهميشهم وحرمانهم من العيش الكريم ... إذا غفر كلّ هؤلاء واستوفوا حقوقهم يمكن أن نتحدّث عن الترحّم ، أمّا أن نقفز على عذابات كلّ هؤلاء ونضعهم في موضع التّأثيم لمجرّد رفضهم الترحّم فهذا مواصلة لنفس سياسة التّرهيب والإرهاب النفسي.
إنّ إكراه المظلوم الذي لا يزال يستشعر وقع الظّلم على طلب الرّحمة لظالمه تطبيع مع الظّلم واعتداء على المظلوم الذي لم تنصفه عدالة الأرض وبقي متعلّقا بعدالة السّماء ، أتركوا النّاس لضمائرها الحرّة وترحّموا أنتم كما شئتم فلستم وكلاء عن ضمائر الضّحايا ولستم وكلاء عن الله فهو أعلم بعباده.