لما أسمع البعض يتكلمون على الإطاحة بالسيستام أقول في نفسي هل بقي شيء يستحق أن يعجب له المرء أو أن يندهش منه. فهذا الكلام يعني أمرين من يصدقهما ينبغي أن يكون من تلاميذ بوسعدية:
1-أن السيستام محلي وليس حتى أقليمي ناهيك عن فهم أنه بالجوهر عالمي ليس منذ الوعي بما يسمى العولمة وهي لم تبدأ مع هيمنة الغرب على العالم بل هي في كل عصر نسبية إلى القوة المهيمنة على العالم الذي تنتسب إليه الجماعة التي وصلها.
2-أن السيستام يعمل بذاته فحسب بل كذلك بما يبدو نقيضه الذي يضفي به الصفة الخلقية للتغطية على عمله المشين. ومن ذلك ما يسمى بموقف الرأي العام الغربي مثلا من الساسة الغربيين أو ما يسمى بدور "خطب البابا" صباح كل أحد.
هل معنى ذلك أن السيستام لا يمكن إسقاطه؟ لو قلت ذلك لنسبت إلى أصحابه قوة ما ورائية فألهتهم. لكن علل وجوده لا يمكن تغييرها من دون علل تضاهيها من حيث الطبيعة والمنهجية والقوة.
وغالبا ما نعلم من يكون هذا الذي يمكن أن يغير السيستام لأنه سيستام آخر يعمل بنفس المنهج ولكن بقيم مختلفة وهو يضاهيه في الطبيعة والمنهجية والقوة إذا علمنا من يحارب السيستام في مجال سلطانه.
وإذا اعتبرنا أن ربة السيستام العالمي هي الولايات المتحدة وبنحو ما كل الغرب وبعض القوى الشرقية التي بدأت تنافسه ورأينا أنها كلها تشترك في الحرب على السيستام الذي تعتبره خطرا عليها رغم ما بينها من عداوات واختلاف مصالح - اختلافا نسبيا لا يقاس بمصلحتها في التصدي لهذا الخطر - أمكن لنا أن نعتبر هذا السيستام هو ما لم يخف المتحدون عليه تسميته ووسمه بكل عيوب العالم وأمراضه المتعلقة بما هو مجال الصراع أعني السيستام السياسي بوصفه سيستام السلطات الخمسة:
1-سلطة الحكم
2-سلطة التربية
3-سلطة حماية السلطة أو القوة العسكرية
4-سلطة رعاية أصحاب السلطة أو القوة الاقتصادية.
5-وأصل كل السلط للهيمنة على العالم الطبيعي أي السلطة العلمية والتقنية في العلاقة بالطبيعة والهيمنة على العالم التاريخي أي السلطة العملية والخلقية في العلم بالإنسان أو معاملة الإنسان بوصفه مادة المخابرات والمخدرات للسيطرة عليه وعلى سلوكه حتى يكون عبدا في الحكم وفي التربية وفي الاقتصاد وفي المعرفة وفي القيم.
إذا كان لنا من يدعي أن تونس التي هي محمية ليس لها سلطان على حكمها ولا على تربيتها ولا على حمايتها ولا على اقتصادها ولا على شروط الهيمنة على الطبيعة والتاريخ فاعلم أنك تستمع إلى بوسعدية.
المعركة في تونس هي بين أذيال السيستام بوجهيه: أي بالوجهين اللذين يعمل بهما أو بما سماه الأستاذ عقيل بالمافيا المالية والمافيا الرمزية.
وهذه التسمية لم تكن عديمة المسمى لأن المقابلة في تونس حاليا تقدم على أنها مقابلة بين الشر المطلق من مافية السيستام والخير المطلق من خارجه ويعلل وجوده بإسقاط السيستام بداية وغاية. ومعنى ذلك أن سعيد ومن معه يمثلون الطهارة المطلقة والقروي ومن معه يمثلون النجاسة المطلقة.
وطبعا لا يمكن لمن يعيش في تونس ويعرف ما يجري فيها أن يصدق هذا التقابل المطلق بل لا يوجد مثل ذلك في اي مكان في العالم لأن المقابلة أشبه بالمقابلة بين أهل الجنة وأهل النار. التنسيب في الأحكام لا يعني اختيار أحد الصفين ولا حتى اختيار معيار للمفاضلة بينهما بل فهم علة مثل هذه الظاهرة وبيان أنها عين ما يتصف به السيستام:
فعندما نقرأ سياسة الغرب نرى أن السيستام عنده ليس ممثلا بغير هذين الوجهين من سلوك السيستام: تغطية المشين بالمزين في كل شيء بل إن ما يسمى بالقانون الدولي وبالشرعية الدولية يؤدي هذه الوظيفة وهو أساس ما يسمى بالامم المتحدة التي هي بيد أصحاب الفيتو وهو الذي تجمع فيه قواه الخمسة على تأييد السيستام بدليل استثناء إسرائيل من تطبيق أي قرار من قرارات الأمم المتحدة. فيكون لدينا مثال بين وبليغ على أسلوب عمل السيستام ذي الوجهين اللذين أشار إليهما عقيل.
وليس الأمر متعلقا بموقفي الشخصي بل بوصف الظاهرة.
أما موقفي الشخصي فلم أخفه وهو أني لا يمكن أن اعتقد أن الإنسان يصبح ثوريا بعد الستين خاصة إذا كان قبلها من المستفيدين من نظام ليس ما يجري حاليا أفسد منه بل هو حصيلته أو على الأقل من الساكتين على ظلمه وفساده واستبداده وتعذيبه لقسم ليس بالقليل من أبناء بلده.