مقدّمة خاصّة بعض الشّيء :
هل يحقّ لمهاجر طوعي تقديم رؤية في مسائل سياسيّة تخصّ شعبه قد لا يتحمّل هو نفسه نتائجها كما يحتمل أن يتحمّلها من يقتنع بها داخل الوطن مع احتمال أن تكون النتائج وخيمة؟ هذا السّؤال له بعد ايتيقي اضافة الى بعده المعرفي.اذ اضافة الى كون المهاجر يكتب انطلاقا من احداثيّات معرفيّة خارجيّة موقعيّا ممّا يجعلها ضعيفة موقفيّا ، فانّ نتائج كتابته على غيره ممّن بقي في أرض الوطن قد تكون وجوديّة .وان كانت تلك النتائج الوجودية سلبيّة فانّ المسؤولية الايتيقيّة للكاتب ستكون كارثيّة نفسيّا و علائقيّا عليه على الأقل . ولكنّ المشكل أنّ الصّمت نفسه قد تكون له نفس تلك النتائج الكارثية على الكاتب و على شعبه فما العمل؟
يروي جان بول سارتر في 'الوجوديّة كنزعة انسانيّة ' - ان لم تخنّي الذّاكرة - كيف سأله أيّام الاحتلال النازي لفرنسا شابّ، هو وحيد أمّه المتقدّمة في السنّ ، سؤالا يرغب منه نصحا في أحد اتّجاهين : هل أترك أمّي وألتحق بالمقاومة المسلّحة لتحرير فرنسا أم أترك تحرير فرنسا وأبقى لأعتني بأمّي؟ وكان جواب سارتر هو رفض اسداء النّصيحة حتّى يتحمّل الشّاب مسؤوليّته بنفسه انطلاقا من فلسفة سارتر الرّابطة في اطار 'مشروع الحياة' بين الحرّيّة و المسؤوليّة عند كلّ انسان.
لو توقّفنا هنا مع سارتر لأصبحت الكتابة المهجريّة أكثر من غيرها هنا غير مرغوبة أصلا.... ولكنّ- من حسن الحظّ - كلّ كتابات و ممارسات سارتر في الواقع كانت تحيل الى اجابة ما ملتزمة في الحياة طبعا. ولعلّه من المهمّ الكتابة دائما مع تنسيب معرفي وسياسي ضروري لا بدّ أن يأتي في الأخير حول موضوعنا الآن في تونس التي لا تعرف ما يعادل الاحتلال النّازي على كلّ. لتكن كتابة مهجريّة أكثر نسبيّة معرفيّا وسياسيّا اذن وليصحبها وعي بالحدود ولنبدأ بطرح السّؤال :
كيف نقرأ و كيف نتعامل مع ظاهرة قيس سعيّد في لحظة تاريخيّة قد تكون خاصّة جدّا في التّاريخ التّونسي؟
يمكن اعتبار ظاهرة قيس سعيّد ظاهرة تجدّد في الوسط السياسي التونسي - بمعنيي الوسط : بمعنى المحيط السياسي التونسي و بمعنى الوسط السياسي غير اليميني و غير اليساريالتونسي – و لكنّها ظاهرة غير مستقرّة في موقعها سياسيا وقد تصبح غير مستقرّة في موقفها في المستقبل المتوسّط على الأقلّ في آفاق 2024 . ويمكن أخذ أربعة عناصر لتحديد ذلك حاليّا ،' برنامجيّا ' و انتخابيّا- تنظيميا ، ثمّ محاولة استيضاح أفقها المتوسّط كما يلي :
1- من الناحية البرنامجية أو بالأحرى الشعاراتية – المشروعاتية الى حدّ الآن،
أ- قيس سعيّد ليبيرالي اقتصاديا مع نزعة اجتماعية : هو لم يدع الى اقتصاد غير رأسمالي ولكنّه ركّز على القطاع العمومي مثل الصحة و التعليم و الحماية الاجتماعية ...و على دور الدّولة التعديلي في الاقتصاد و المجتمع.
ب- قيس سعيّد مسلم محافظ ثقافيّا مع نزعة اصلاحية : هو محافظ على المستوى الشّخصي و حتى العام (كما ظهر في مسألة المساواة في الميراث مثلا ) ولكنّه يتمسّك بكلّ ما أنجز من اصلاحات و يريد تفعيل ما تحقّق من مكتسبات قانونية لفائدة المرأة مثلا كما ظهر من رسالته الى الاتحاد الوطني للمرأة.
ج- قيس سعيّد يساري مجالسي سياسيا مع نزعة جمهورية : هو يدعو الى 'البناء الجديد' السياسي القائم على نزعة ديمقراطية مباشرة نصف- مجالسية - هي أقرب حسب رأيي الى روسّو - من المحلّي الى الجهوي الى المركزي مع اعتماد مبدأ التفويض القابل للسحب من النائب ...ولكنّه يبقى جمهوريّا ديمقراطيا طالما لا يربط بين الشكل السياسي الجديد و نمط اقتصادي غير رأسمالي جديد كما يفعل المجالسيّون و الفوضويّون و الشيوعيّون.
د- قيس سعيّد قومي عروبي خارجيا مع نزعة وطنيّة تونسية : هو قومي عروبي – دون ايديولوجيا قومية ناصرية أو بعثية أو غيرهما - من خلال موقفه من التطبيع الذي يعتبره خيانة عظمى و من خلال دفاعه عن فلسطين عموما ولكنّه قبل كل شيء صاحب نزعة وطنية تونسية من خلال تثمينه التجربة التونسية منذ 2011 و تركيزه على المحيط المغاربي أوّلا ثم العربي و الافريقي و المتوسطي ثانيا.
2-
أمّا من الناحية التنظيمية فيظهر ذلك من خلال قطعه مع تنظيمات الوسط /المحيط السياسي اليمينية و الوسطية - الحزبية - و اليسارية عبر شكل جديد من التنظيم السياسي الانتخابي الى حدّ الآن ، و لكن مع لعبه على كسر الاصطفافات الايديولوجية بقصد البحث عن 'كتلة تاريخية' من جماهير جميع التيارات السياسية التونسية الكبرى و نجاحه في ذلك انتخابيّا و يظهر ذلك من خلال ما يلي:
أ- استفادته الانتخابية من نسبة هامّة من خزّان حزب ' نداء تونس' الانتخابي بعد انفجار الحزب بسبب خيانته لناخبيه و ميله أكثر الى اليمين و فساد قادته و انقسامهم و تناحرهم و ارتباطهم بلوبيات المال و بمراكز النفوذ الدّولي - و قد مثّل فشل عبدالكريم الزبيدي منذ الجولة الأولى للانتخابات ذلك بوضوح - مع بقاء جناح معاديا له بحدّة باسم 'الحداثة' و' الليبيرالية ' طبعا وليس باسم الدّفاع عن الفساد ، و هو جناح فاعل كثيرا في الاعلام خاصّة.
ب- نجاحه في افتكاك جزء كبير من الخزان الانتخابي للنهضة و في اغراء أجنحة محسوبة عن حزب التحرير – رغم عدائها المبدئي للديمقراطية و الانتخابات - وحتّى للسّلفيين و للحركة الصوفيّة على ما يبدو – حسب ما يبدو من بعض التسريبات - منذ الدّور الأوّل للرّئاسية ثم في سحبهم جميعا وراءه في الدّور الثاني . و قد حصل الأمر الأخير لسببين كبيرين : طبيعة المرشّح المنافس (نبيل القروي) و الطابع الثقافوي المحافظ للحركات الاسلامية كلّها ممّا يجعلها تجيش قواعدها في نصرة قيس سعيّد المحافظ ثقافيّا في الدّور الثاني رغم تصريح بعض قادتها – محمّد بن سالم مثلا - كون قيس سعيّد هو يساري علماني و قومي متطرّف.
ج- نجاح قيس سعيّد في استمالة جزء من تنظيمات اليسار وقاعدته الانتخابية لأسباب تبدأ بوجود يساريين في محيطه (رضا لينين و سنية الشربطي) و لا تكتفي بذلك بل ترتبط بأسباب أكثر أهمّيّة مثل وطنيته من ناحية و اجتماعيته الديمقراطية - التي التقى فيها مع اتّحاد الشغل عند زيارته لقيادته - من ناحية ثانية و طرحه لفكرة البناء المجالسي من تحت من ناحية ثالثة ، هذا اضافة الى تفريق بعض اليساريين ممّن ساندوه بين محافظته الخاصة و بين الحركة الاسلاميّة السياسية التي لا ينتمي اليها.
د- نجاحه في كسب مساندة حركة الشعب و التيار الشعبي – من الحركة القومية في تونس – و التيّار الدّيمقراطي – من الوسط الديمقراطي الاجتماعي الأكثر جرأة حقوقيا و ثقافيا من خلال موافقته على المساواة في الميراث - في الدّور الثاني من الرئاسيّة مع فشله في استمالة التنظيمات البعثية التي يمكن القول بخصوصها هي و التنظيمات اليسارية الرافضة له وبعض رموز الوسط السياسي القديم - نجيب الشابي مثلا- انّها - ربّما- هي التي لم تعرف ' من أين تؤكل الكتف' سياسيّا في وضع تونس الحالي و في مواجهة مرشّح خاصّ ثاني للرّئاسة هو نبيل القروي تحديدا .
3-
بمعنى ما اذن ، يمكن اعتبار ظاهرة قيس سعيّد عبارة عن موجة ثانية ناجحة مؤقّتا من حراك جزء كبير من الطبقات الوسطى التونسية من خلال 'انتفاضة الصّندوق' التي أرادت استرجاع زخم انتفاضة 17ديسمبر2010/14 جانفي 2011 من خلال تعبيرة سياسية وسطيّة سياسية جديدة وجامعة .
و هي جديدة لأنّها تحاول الارتفاع فوق التقسيمات الايديولوجية و التنظيمية التقليدية التي بقيت قويّة في الاستقطاب السياسي بين 2011 و2019 وانخرط فيها الوسط السياسي الحزبي، و جامعة لأنّها تمايزت عن السلوك السياسي للوسط و يسار الوسط الحزبي التقليدي الذي راكم الفشل تلو الفشل بسبب رهانه المستمر على أقسام من اليمين .
ويمكن اعتبار أمثلة فشل نجيب الشابي ثم م.منصف المرزوقي وأخيرا الجبهة الشعبية أكبر أدلّة على ذلك في وقت كانت فيه تونس تحتاج ، خاصّة منذ 2014 ، الى تحالف يساري- وسطي لتكوين قوّة ثالثة جديدة تتمايز عن الاستقطاب الاسلاموي – الحداثوي المشوّه الذي خسّر الطبقات الشعبية و الوسطى فرصة التركيز على ما لم تنجزه الثورة بعد : الكرامة الوطنية و الاصلاحات الاقتصادية و الاجتماعية - التي تضمن الشغل و العيش الكريم - بعد أن حقّقت الحرّيّة السياسية بدرجة كبرى الى الآن و لكن التي لم تستفد منها في أحسن الحالات سوى فئات عليا مثقّفة من الطبقة الوسطى التقليديّة سياسيّا و جمعيّاتيّا. و بهذا يكون ظهور قيس سعيّد تعويضا سياسيا و تنظيميا غير حزبي لفشل اليسار و الوسط الحزبيينالسياسي و التنظيمي .
ولكنّ غموض برنامجه واكتفاءه بالشعارات و عدم امتلاكه لتنظيم سياسي جديد في وقت تدخل فيه البلاد مرحلة جديدة من الأزمة الاقتصادية و الاجتماعية و في وقت تسيطر فيه تنظيمات سياسية على البرلمان حيث مركز ثقل السلطة وتسيطر فيه تنظيمات اجتماعية (منظمات و جمعيات) على المجتمع المدني وفي وقت يلعب فيه الاعلام دورا كبيرا في توجيه الرّاي العام رغم تقدّم دور وسائل الاتصال الاجتماعي و في وقت تتعمّق فيه الضغوط الدّولية على البلاد شرقا و غربا ،الخ، سيجعل من التجربة – وهي الى اليوم تجربة لا غير- قابلة للذّهاب في كلّ الاتّجاهات السياسية من ناحية سواء 'من تلقاء نفسها' أو - خاصّة- بفعل استغلالها من قبل المحيطين بها سياسيّا بسبب ضعفها التنظيمي خاصّة، و قابلة ، من ناحية ثانية ، للاستسلام للنّظام - الذي تقول عن نفسها انّها جاءت من خارجه – بعد فتور 'كاريزما' القائد المتحول الى رئيس و دخولها مرحلة 'الرّوتين' المؤسّساتي و تفكيك سندها الانتخابي 'الحاشد' في صورة عدم تنظّمه السياسي – و ان بشكل جديد - بحيث يعجز ليس فقط عن الصّمود بل وخاصّة عن التحوّل من قوّة انتخابية عارضةالى قوّة سياسية دائمة نسبيّا ،هذا طبعا ان لم يحدث في البلاد ما هو أخطر من ذلك اصلا – كالافلاس المالي- بحيث ندخل في مرحلة احتدام صراعات اجتماعية سياسية يعجز الوسط السياسي عن الصّمود فيها غالبا وتطرح فيها الحلول الجذرية يمينا أو يسارا .
4-
أمام هذه الوضعيّة الجديدة المركّبة ولكن التي يمكن تلخيصها في ظهور تيّار وسطي سياسي خاصّ برنامجيّا و غير حزبي تنظيميّا .و رغم الروابط التي تجمع بينه وبين بعض شعارات الوسط الحزبي السّابق ( 'مجتمع القانون' عند قيس سعيّد هو تخريجة جديدة مشابهة لفكرة ' شعب المواطنين' عند المرزوقي رغم انتمائهما لسياقين مختلفين حقوقيّا . كما أنّ المرزوقي ركّز كثيرا مع 'الحراك' على المسألة الجهويّة و المحلّيّة ولو بصيغة أخرى مثلا ، ولكنّ ما دمّر المرزوقي هو ، من بين عوامل أخرى تذيّله لقطر و للاسلام السياسي و عوامل شخصيّة نفسيّة وخطابيّة مثلا )،
و رغم الهلاميّة التنظيميّة فانّه ، من وجهة نظر فكريّة مركّبة و سياسيّة وطنيّة يساريّة و وطنيّة ديمقراطية اجتماعيّة ، لا يمكن الاّ التّعامل الايجابي ولكن النّقدي للتجربة بمنطق ' التجريب مع التجربة ' للمساهمة في تجذيرها ما أمكن و لتبيّن حدودها من خلال الممارسة الفعلية وليس من خلال مسطرة مسبّقة ستكون قاتلة مثل ' سرير بروكوست' السّفّاح .
ولكن التجريب مع التجربة هنا ليس من باب الانتهازيّة أو البراغماتيّة المجرّدة من اعتبارات مبدئيّة، بل هو تجريب فكري مبدئي يعتمد على الوعي بوجود نقاط اقتصادية-اجتماعية وسياسية داخليّة و مواقف وطنيّة وقوميّة ايجابيّة مبدئيّا وان كانت غير واضحة عمليّا أو تحتمل أحيانا قابليّة الانحراف الى نقيضها اذا غاب الحذر عن أصحابها أنفسهم قبل حذر من يساندهم.
كما هو تجريب سياسي- تنظيمي عملي يثمّن 'انتفاضة الصّندوق' في وجه الفساد و الفاسدين وينخرط فيها ويحاول المساهمة تشاركيّا في ترشيدها ليس من باب الهيمنة عليها –كما يفكّر البعض- أو سحب البساط من تحتها - كما يفكّر آخرون - بل من باب ضمان التنوّع النضالي داخل الطيف الوطني و الاجتماعي والديمقراطي العام بمكوّناته الوسطيّة واليسارية الجديدة التي تحاول تجاوز الاصطفافات الايديولوجية و التنظيمية التقليدية دون وهمي ' نهاية عصر الايديولوجيا' و ' نهاية عصر الأحزاب ' اللّذين ان طغيا داخل هذا الطّيف فسيحوّلانه الى خطر حقيقي على الحياة الدّيمقراطية.
انّ التّجريب مع التجربة ، بعد التّقييم المبدئي القائم على المساندة النّقديّة ، يتطلّب أيضا التّعامل مع الظاهرة حالة بحالة في مستوى القرارات و الأفعال الصّادرة عن أصحاب التجربة وعن جماهيرها التي هي الى حدّ الآن جموع سياسية وانتخابيّة وافتراضيّة غير منتظمة هيكليّا وعدم الاكتفاء لا بالنزعة الانتقاديّة السلبية التي ترى الكارثة في كل قرار وفعل - كما يفعل ذلك اعلاميون ومثقفون ' ليبيراليّون' خاصّة ولكنّهم يؤثّرون على بعض اليساريين و البعثيين خاصّة - و لا بالنّزعة التبجيلية التي ترى في كل قرار وفعل – بل وحتى في انعدامهما أصلا - بطولة يقع النّفخ فيها بشكل غير مقبول يمارسه الآن خاصّة غرباء عن التجربة وملتحقون بها انتخابويّا من أجل تحقيق أهداف خاصّة بهم لا غير وأكثرهم يدورون في فلك الاسلام السياسي ولكنّهم يؤثّرون أيضا على بعض اليساريين وبعض القوميين العرب التونسيّين.
ولكنّ هذا التجريب مع التّجربة لا يضمن شيئا مبدئيّا ، اذ لا ضمانة في السياسة انطلاقا من النوايا و المشاريع الكبرى مهما كانت حسنة بل انطلاقا من الممارسات و النّتائج التي لا يتحكّم فيها المساند النّقدي –أو غير النّقدي نفسه- بالضّرورة لأنّها مسألة موازين قوى عمليّة. والتّجريب مع التجربة،بهذا المعنى، فيه عنصر من المراهنة السياسية الايجابية بل و من الانتهازيّة السياسية الايجابيّة بمعنى انتهاز فرصة 'رماديّة' لرغبة جماهيريّة كبرى في التغيير بالسّعي الى تحويلها الدّيمقراطي الى فرصة متعدّدة الألوان فلا تنتهي بالضّرورة لا 'ورقة بيضاء' كما يراد لها من قبل أصدقائها المهووسين و المزيّفين و لا ورقة سوداء كما يراد لها من قبل أعدائها المختبئين و الواضحين .
نحن الآن في لحظة وسطيّة رماديّة ، هذا صحيح ، ولكنّها مبدئيّا لحظة فجر رماديّ يبشّر بيوم جديد وليست لحظة غروب رماديّ تسبق ليلا جديدا و علينا أن ننظر الى النصف المملوء من الكأس. ولكنّ بعض الأيّام قد تصبح أحلك من اللّيل رغم شمسها ان لم نشعر و نفكّر و نعمل فيها على نصرة الحياة و تركنا السّاحة يغرقها الأموات/الأحياء.
تبقى كلمة أخيرة لا بدّ من العودة اليها ربطا مع ما قلناه في المقدّمة :
هذه ورقة مختزلة من متفرّج من بعيد تقدّم فرضيّة بحثيّة في تحديد هويّة سياسيّة و مسوّدة نظريّة تحدّد خطوطا عريضة لخوض تجربة نضاليّة. ولكن "النظريّة رماديّة اللّون بينما شجرة الحياة خضراء دائما " كما يقول غوته في ' فاوست' حتّى لو صاغها أبناء الأرض أنفسهم فما بالك لو صاغها مغترب بعيد.
فلتكن هذه الورقة تجربة هي الأخرى تثير شهيّة تجارب أخرى في الكتابة حول ما يحصل و كيفيّة التّعامل معه. ولتكن تلك التّجارب نقديّة من الأفضل لأنّ ذلك أفيد لصاحبها نفسه عساه ينتبه الى الزّوايا الميّتة التي لا يراها من موقعه ،و لأننّا نعيش مرحلة قد يصحّ فيها القول " انّ ما يبدو اليوم مجرّد اختلاف في وجهة النّظر قد يصبح غدا مسألة حياة أو موت "!
جرّبوا الكتابة و النّضال بأنفسكم اذن... و " أهل مكّة أدرى بشعابها " .