الطرقات الخطرة في كل مكان، لكن الاستعمار البغيض هو الذي "فكر وقدر" عام 1912 لحماية أرواح المسافرين وإخضاعا للطبيعة لمشيئة الهندسة والحضارة، وبنى جسر الخمسة العجيب قريبا من مدينة باجة على علو 54 مترا فوق 12 قوسا، لمرور القطار الرابط في البداية بين ميناء بنزرت ودشرة نبر أما الدولة الوطنية فقد اقتلعت سكة دشرة نبر ونقلتها إلى مكان آخر "أكثر أهمية" لرجالاتها الوطنيين كما خنقت تدريجيا إلى حد القتل،
الشبكة الحديدية التي تركها الاستعمار، ومن العجيب أيضا أن لا نعثر على معلومات حول إنجاز هذا الجسر الجميل سوى في كراسة تلميذ فرنسي، عندما كان المعمرون ينظمون زيارات استكشاف إلى مستعمراتهم، آه، وقبل أن أنسى، فقد حدثني أحد أقاربي وكان سائق شاحنة في زمن الاستعمار أن فرنسا كانت تعد لإنشاء عدد من الجسور المعلقة والأنفاق على طريقي الفرنانة عين دراهم وباجة عمدون عين دراهم، لولا أن فاجأها الاستقلال،
فرنسا لم تفعل ذلك حبا في التونسيين، بل لأن الشمال الغربي ثروة، ولا معنى للثروة دون طرقات، وهو ما تعلموه من الاستعمار الروماني، الرومان أحدثوا طرقات ما يزال بعضها موجودا من أوتيك قرب بنزرت مرورا بألتيبيروس في الدهماني ثم سبيطلة ثم تبسة إلى تيمغاد على علو 1100 متر عن البحر قرب باتنة عاصمة الأوراس، على طول 500 كم،
الانتقال من المخالفات المرورية إلى السلوك الهمجي،
بقطع النظر عن أسباب فداحة حادث الحافلة، نحن رانا أصبحنا فرجة في العالم وقريبا تنشأ عندنا سياحة علمية لدراستنا ويجيء خبراء في شؤوننا لعقد ندوات علمية تحت عنوان "كيف تبقى حيا رغم كل هذه المآسي القاتلة"، بعد أن حققنا أول انتقال حضاري من مرحلة المخالفات المرورية إلى حالة "السلوك الهمجي" على الطريق،
أنا مثلا، أصبحت مصابا برهاب الطريق، حين أرى عربة نقل جماعي في المرآة العاكسة أهرب إلى اليمين وأخفض في السرعة كما لو كانت عربة عسكري محتل غاشم ليس عندك معه لا حق ولا باطل، وعندي خوف دائم من الشاحنات والحافلات أيضا، أمس: على الطريق الوطنية رقم خمسة، تجاوزتني حافلة عمومية وأنا أجري بسرعة 100 كم: الريح المصاحبة لها هزت سيارتي بعنف، واليوم الصباح على الطريق السريعة الجنوبية، اضطرتني شاحنة عملاقة إلى السير وراءها بحذر على مدى عدة كيلومترات لأن سائقها يرفض ترك اليسار،
إيه: وليس لها أي ضوء خلفي للتحذير من التوقف، تجاوزتها بعد أربع محاولات فاشلة كدت أتسبب فيها في حادث والتزمير يصل إلى أقاصي العالم، بعدها وجدت حافلة عمومية تستحيل زحزحتها من اليسار حتى بإعلان حرب، أما في شارع محمد الخامس، قلب العاصمة الاستراتيجي، لم يعد اختراق الضوء الأحمر يثير استغراب أحد، ما يثير الجنون حقا هو أن يعترضك أحد يسوق سيارته في الاتجاه المعاكس، ويفرض عليك التوقف حتى يمر، أمام أنظار أعوان الدولة، رانا حالة تستحق الدراسة، والله،