تتزاحم الأفكار داخل رأسي فتتصادم وتتراطم محدثة أزيزا لا يطاق، تتراقص الصّور في مخيّلتي لتسبّب لي دوارا مع رغبة في الغثيان. مؤلم أن تكون الذّاكرة حيّة والأشدّ إيلاما حين تصل حدّ متلازمة فرط الاستذكار. كم هي جميلة نعمة النّسيان وكم أغبط راحة الجاهلين والمصابين بالاستحمار!
هل وقعت في فخّ التّفاؤل المفرط لاصطدم بصخرة عجزي فكنت كما سيزيف يدفع بصخرته نحو القمّة ليتدحرج إلى القاع فيعيد الكرّة بلا جدوى! لست طوباويا، حطّمت أسوار مدينتي الفاضلة منذ زمن غير بعيد وصرت مكتفيا بالمتاح في الممكن، لست متفائلا ولا متشائما، في منزلة بين المنزلتين، التأرجح بينهما قد ينقلني من مربُع إلى آخر، موقف أو مشهد أو كلمة أو مقال أو قصّة أو شعر أو رسم أو فلم.
قد يكون ذلك اختياريا وربّما مضطرا حينما تكتسح الرّداءة الفضاء وتتسرّب إليك كالهواء. فلم رديء، تافه مقرف يبثُ على المباشر، بلطجة، عربدة، صراخ، تلاسن في برلمان مفخّخ يتبعه اعتصام ومتابعة لصيقة لأدقّ تفاصيله.
البطلة ثمرة هجينة لزمن الجبن و الاستبداد، كتلة من العقد جمعت بين الميغالومانيا و البارانويا مع اختلال شديد شبه هيستيري في الشخصية ،حرّرتها الثّورة و أطلقت لسانها الُذي كانت تستعمله حصريا للزغرطة ، شوفينية عنصرية لا تؤمن لا بقانون أو دستور أو ديمقراطية الّتي استعملتها كسلّم لترتقي في انتظار أن تسحبه معها،موبوءة متطبّعة بمتلازمة الاستبداد كان من المنطق عزلها كما المصابين مثلها بنفس الداء في انتظار أن يشفوا و يصبحوا أسوياء و حتّى يثبت المسار و يعلو البناء لكن حصّل ما في الصدور و وقع المحظور لنعيش ما نعيشه من مشهد مقرف طال الجميع بلا استثناء.
البطلة كبالون ملئ بالغازات السُامة النتنة ينتظر وخز إبرة لينفجر في وجه الجميع. وككلُ فلم فلا بدُ له من سيناريو وممثلين أساسيين و كمبارس و منتج و مخرج و تسويق. وإذا كانت للممثّلين الاساسيين شجاعة الظهور فإن ُ الكمبارس يتلوُنون كالحرباء، يتغذون مع الذئب ويتعشون مع الراعي، متوهمين أنُها الفرصة الامثل لتصفية الحسابات والتخلُص من الخصوم لتصدّر المشهد.
أمّا المنتج والمموّل فليس من الصّعب تبيّن خيوطه المرتبطة بمحور الشرُ وبغرف المؤامرات المظلمة. ويبقى للمخرج اضافته التي تجعل من عدسته تكيّف الرّسالة وتوظّفها. ليس غريبا أن تمجّد البعير وتلمّع من قبل قنوات عهر البعير من لا يعرفون حرُية إلاّ في اختيار أجمل بعير، لكن أن يصدر ذلك من قناتنا العمومية الّتي نموُلها بعرقنا وأن تركّز المخرجة المنتمية لنفس حزب البعير على نقل صورة الحوافر وصوت الغثاء ساكبة الزيت على النار في انتظار تصيّد كارثة أو انفجار فذاك يرسّخ قناعتنا بأنّ قناتنا الوطنية أبعد من أن تكون وطنية وهي مختطفة من قبل شرذمة إقصائية.
لا شكّ في أهمّية الصّورة في عصر الصّورة فبها أطاح خالد يوسف بثورة 25يناير وبها من الممكن تحقيق ما لم يتحقّق في اعتصام الرزّ بأقلُ التُكاليف. المخرجة "الخنيفري" تغافلت عمّا يجري في البرلمان لتصبح بوقا حصريا للغثاء، تنتظر التحاما أو ولولة أو "خنيفري" ليبثّ على المباشر ويثبت عنف وهمجيّة وإرهاب الاخوانجية فتتلقفه العربية والحدث وسكاي نيوز وفرنس24 وقنوات المجاري المصرية والتونسية ليتكفُل بعدها الكمبارس بالبقية.
مشهد برلماني تعيس وممّا يزيد في قتامته تجاهل البعض بما فيهم الرئاسة لمسلسل ترذيل السلطة التشريعية الى حدّ انّنا بدأنا نشكّ في النّوايا. حفظ الله تونس من كيد الماكرين.