مهم ان ينخرط كل التونسيين في الشأن العام بإبداء خواطرهم ومواقفهم تجاه الأحداث، الا ان معظم ما يصير في السياسة وفي الاقتصاد والأحداث الدولية يحتاج الى معطيات دقيقة جدا بحيث يصعب التعاطي معها ولو من قِبل أعتى المفكرين والمثقفين إذا لم تتوفر لهم المعطيات والبيانات والحقائق الثابتة.
فكيف لمن ليس له اطلاع شخصي ولم يبذل مجهودا في التقصي ان ينحاز الى رأي او نقيضه في قضايا تاريخية تتعلق بحركة التحرير او الدولة الحسينية التي لا تحضى في بعض حيثياتها المهمة باتفاق بين المتخصصين؟ فالتاريخ المعاش اليومي ليس عليه اجماع، كما لم يكن هناك نفس الرواية لما وقع بين المتفاوضين في شان تشكيل الحكومة هذه الأيام مثلا.
وكيف للبعض ان يتخذ موقفا من قضايا إقليمية معقدة ولا تتوفر له حقائق عنها فيما وعما يحيكه المعنيون المباشرون من استراتيجيات قد لا يُماطُ عنها اللثام أبدا؟ وكيف لمن لم يتلق درسًا واحدًا في الاقتصاد ان يحلل السياسات النقدية والميزانية والتجارة الخارجية في ادق تفاصيلها؟
لا اريد ان اذكر كروغمان، صاحب جائزة نوبل والذي يُعتبر من الاقتصاديين العظماء، الذي قال "لا اعرف" لمّا سُئل العام الماضي عن بعض ما يقع في السوق المالية، وهي أسئلة يحسبها غير العالم سهلة، وقد يقتات منها البعض أمام عموم الناس ويسوّق بعضهم الآخر من خلالها لشخصية "الخبير"، ولكن لا يعبؤون بدورهم في تسطيح الوعي.
وكيف لمن لا يعرف الجغرافيا ورهاناتها ان يستسهل الحكم على اهم اللاعبين فيها؟ وكيف لوزير او مسؤول ان يقيّم تجربته الشخصية في الفضاء العام وينتهي الى نجاحات فارقة!
اعتقد انّ هذا الوضع يفتح المجال الى اصحاب الايديولوجيات البالية وكذلك المناوئين بوحدة التونسيين حول قضاياهم المشتركة، وبمستقبلهم ولصُناع الرأي العام حيث منهم المرتزقة والمراهنون على الإشاعات والتضليل ان يعبثوا بمستقبل البلد. ولكني في نفس الوقت اعتقد كما أتمنى ان الوعي التونسي لا تنطلي عليه هذه المناورات عاجلا ام آجلًا.