النخب والقيادات وصانعو الراي المحمولون على الاحزاب هم حاليا أكثر ميلا للاستقطاب والتعبئة الخطية. تبدو خطابات الجميع مجرد بيانات حرب اهلية تناغما مع الحرب الكونية التي تدق طبولها في المشرق والمغرب ويردد المتحزبون التونسيون واتباعهم واقلامهم اصداءها.
ليس من مصلحة أحد الاستماع الى خطابات التوافق والوحدة الوطنية. هذه الخطابات حاليا تصبح مجرد وقر في الاذان وخطابات مرفوضة ومستهجنة ولا جدوى منها وذلك للأسباب التالية:
اولا: البلاد تعيش الان صراع القوى على مراكز النفوذ وهذا الصراع هو حرب فعلية لا هوادة فيها وتحتاج تعبئة للاتباع لا يجب ان تخفض منها دعوات التوافق او الوحدة الوطنية (انتصر وافتك نصيبي في التموقع ثم سأتحدث بعدها عن الوحدة الوطنية).
ثانيا: خطاب التوافقات الوطنية الكبرى في هذه الوضعية المحلية والاقليمية والدولية المعقدة والقائمة على الاستقطابات يتطلب تنسيبا وتركيبا للتناقضات وتجاوزا للتمترس الحزبي والايديولوجي وتنكرا للذات لصياغة الخطاب الجامع تونسيا وهو ما يتناقض مع ضرورة خوض الصراع لاحتلال مواقع النفوذ.
ثالثا: مثلما انتهى عصر السيادة الوطنية في عهد العولمة والتدخلية الدولية فان التحزب باعتباره موقفا وطنيا يفقد قوته وسطوته ليصبح الانتماء الى تيار حزبي هو انتماء لخيار دولي خارجي.
ليس في تونس طوائف ولا مذاهب ولا اعراق ولكن الاحزاب الان تتكفل بهذه الادوار في إطار الحرب الاهلية المتنكرة بالانحيازيات الى أطراف الحرب الكونية.
سيكون من العاطفي الذي يثير استهزاء المتحزبين ان ندعو المسيسين اليوم الى صياغة خطاب المشروع الوطني التونسي.
الصراع والمواجهات بين سياسيي تونس قدر حتمي ندعو الله فقط ان تبقى فيه " الحرب " سلمية بالكلام والخطابات في انتظار بلورة التونسيين من خارج هذه الطبقة السياسية (التي يجب ان تضمحل) خطابا وطنيا جديدا يضع تونس في عالم جديد لن تكون فيه الا إذا ذهبت هذه الطبقة السياسية مع ذهاب عالم تقليدي يحتضر …..