رئيس الحكومة المكلّف لم يكن موفّقا في ندوته الصحفيّة وعازته الدقّة في نقطتين أساسيّتين: الأولى: تشديده على أنّه يستمدّ شرعيّته من الرئيس قيس سعيّد ومن التفويض الواسع واتجاهه في مطلب الإصلاح ومقاومة الفساد. الثانية: وهي نتيجة للأولى تأكيده على أنّ التفاوض على تشكيل الحكومة سيقتصر على الأحزاب التي صوّتت للرئيس قيس سعيّد.
النقطتان تجعلان من الحكومة "حكومة الرئيس" بكلّ المقاييس. وهذا يتعارض مع موقف رئيس الجمهورية في خطاب التكليف وتشديده فيه على أنها ليست حكومة الرئيس وما ينبغي لها.
كان على السيّد الفخفاخ أنّ يقول في النقطة الأولى: إنّ شرعيّته مستمدّة من الدستور ومن فصله 89، ومن مزاج الانتخابات التشريعية العام (بروز ما سمي بأحزاب الصف الثوري).
وأن يقول في النقطة الثانية: إنّه سيختار الجهات الحزبية المعنية بالتفاوض على أساس برنامج عنوانه الإصلاح ومقاومة الفساد، وهذا هو السبيل الوحيد للخروج من "التسوية" إلى "الإصلاح" ومن التعثر إلى الإنجاز، وبذلك تكون حكومته "حكومة مهام وطنية" وليس" حكومة وحدة وطنيّة". وهذه الحكومة مسؤولة أمام البرلمان وليس أمام رئيس الجمهوريّة.
انطلاقة السيّد الفخفاخ لم تكن موفّقة، لا من حيث علاقتها بالدستور والنظام السياسي ولا من حيث علاقتها بالاستحقاق الانتخابي ونتائجه الميدانية.
وهو حين يجعل من مشروعيته مستمدّة من تفويض الرئيس وحين يقصر التفاوض على الحكومة في الأحزاب التي صوتت للرئيس قيس سعيّد فإنّه يخرج عن النظام السياسي المثبت بالدستور ويجعل استبعاد بعض الأحزاب (قلب تونس مثالا)، وإنْ بطريقة غير مباشرة قرارا رئاسيا، وهو ما يجعل رئيس الجمهورية طرفًا سياسيًا وليس رئيسا لكلّ التونسيين.
تجاوز التسوية إلى الإصلاح أصبح ضرورة، ومن حق السيد الفخفاخ أن يصرح برغبته في تشكيل حكومة من "الصف الثوري" او من العائلة "الديمقراطية الاجتماعية". ولكن بمرجعية الدستور (حتى لو كان تفويض الرئيسبـ50,5%) وحقه باعتباره رئيس حكومة مكلف بأن يختار الأحزاب التي منها يشكل فريقه.
صار الاستثمار في تفويض الرئيس قيس سعيّد التاريخي من المطبّات السياسية في لحظتنا هذه.
ويزداد الأمر ارتباكا مع غياب الصياغات الدقيقة للعناوين، والجمل السياسية، وهذا من ضعف الوعي السياسي في مشهدنا السياسي، (ساسة، إعلاميون، صنّاع رأي…)، وقد يكون من التكتيك.