تشهد العلاقة بين المؤسستين الأمنية والقضائية، بعد الثورة، تجاذبا لا ينتهي ، خصوصاً في القضايا التي تهمّ الرأي العام بشكل خاص والمتعلقة إجمالاً الموقوفين في تهم إرهابية. غير ان البلاد عاشت في المدة تصاعدا غير مسبوق لعمليات السطو والتي تكون احيانا باستعمال السلاح مما جعل هذا النوع من الجريمة محل تجاذب هو الاخر في المدة الاخيرة.
وغالباً ما تتهم بعض الجهات الأمنية القضاء بأنه يطلق سراح من أوقفتهم القوات الأمنية، وراجت عبارة «البوليس يشدّ والقضاء يسيّب». في حين يعتبر عدد من القضاة ان الملفات التي تصلهم «فارغة» ولا تحتوي على أدلة يمكن من خلالها الحكم بالسجن على الموقوفين.
عرفت ظاهرة البراكاج اهتمام كبيرا سواء في صفوف المواطنين او الجهات المختصة فقد انعقد، بمقرّ وزارة الدّاخليّة يوم الجمعة 24 جانفي 2020، اجتماع رفيع المستوى بحضور القيادات الأمنيّة العليا .
وأوصى وزير الدّاخليّة خلال الاجتماع بمزيد التّرفيع في نسق العمل الأمني لمقاومة كلّ المظاهر الإجراميّة بمختلف أنواعها على غرار السلب بإستعمال القوة، والعمل على مزيد تفعيل آليّات تطبيق القانون بكلّ صرامة واتّخاذ الإجراءات القانونيّة ضدّ كلّ من يتجرّأ على أمن البلاد والمواطنين.
كما قال المتحدّث باسم وزارة الداخلية خالد الحيوني في برنامج في اذاعة موزاييك الجمعة 24 جانفي 2020، إنّ لقاء وزير الداخلية هشام الفوراتي برئيس الجمهورية قيس سعيّد الخميس 23 جانفي تمحور حول الوضع الأمني العام في البلاد وكل ما يخص مكافحة الجرائم سواء في الطريق العام أو في وسائل النقل العمومي.
وأكّد على جاهزية الوحدات الأمنية وما تقوم به من إيقافات ومداهمات والقيام بالواجب المنصوص بعهدة كل وحدات وزارة الداخلية. وأضاف أنّ اللقاء مثّل أيضا مناسبة أكّد من خلالها رئيس الجمهورية ضرورة الرفيع من درجة اليقظة الأمنية على الحدود في ظل التطورات التي تعرفها الشقيقة ليبيا، من جانبه أكّد وزير الداخلية جاهزية الوزارة لأي طارئ وهي في تنسيق متواصل مع وزارة الدفاع الوطني.
أما بخصوص تكرر عمليات السلب باستعمال القوة (البراكاجات) في الآونة الأخيرة، قال خالد الحيوني إنّ وزارة الداخلية لم تخلّ يوما بمسؤولياتها في مقاومة الجريمة، وأنّ الأمر لا يكون بصفة عشوائية بل عبر دراسات مسبقة وبعد تقييم ومتابعة الجريمة وأين تتركز، حسب تعبيره. وبيّن أنّ تدخل الوحدات الأمنية يكون على محورين رئيسين وهما العمل اليومي للأمنيين والحملات الأمنية.
وتابع «البعض يدعي بأنّ وزارة الداخلية تخلت عن دورها ما أدى إلى تفشي هذه الظاهرة لكن هذا الأمر غير صحيح… من حق المواطن المطالبة بالأمن لكن من حقه أيضا أن يعرف أنّ الأمن يقوم بواجبه».
وأضاف «هناك ترويج لفيديوهات وأخبار مغلوطة تخص عمليات البراكاج وهو ما يؤثر سلبا على الرأي العام.. الجريمة لا ينكرها أحد لكن ليس بالصفة التي يروّج إليها البعض ».
وفي ظل الانشغال بظاهرة السطو وجرائم الطريق العام وفي تصريح ادلى به اليوم 30 جانفي وزير الداخلية عقب لقائه بالياس الفخفاخ المكلف بتشكيل الحكومة دعا الوزير القضاء الى المساعدة على مقاومة هذه الظاهرة باصدار بطاقات ايداع بالسجن ولم يمر هذا التصريح دون تعليق من وزير العدل اذ قال كريم الجموسي لوسائل الاعلام انه لا يتلقى أي تعليمات من أي جهة وبصفة خاصة من السلطة التنفيذية، معتبرا أن القضاء يقوم بدوره والقضاة واعون بالظروف العامة التي تمر بها البلاد.
وللإشارة فقد قرّرت لجنة الأمن والدفاع بالبرلمان الاستماع إلى وزير الداخلية هشام الفوراتي، ومختلف الهياكل المعنية خلال الأسبوع القادم بخصوص انتشار ظاهرة السلب باستعمال العنف والتهديد أو ما يعرف بـ «البراكاج» التي أضحت ظاهرة خطيرة تهدد أمن المواطنين، وفق رئيس اللجنة عماد الخميري.
هكذا اذن بين وزارة الداخلية التي تشيد بنجاحات الامنيين في التصدى للجريمة بجميع انواعها ومنها جرائم الطريق العام ووزارة العدل التي تؤكد على وعي القضاة بالظروف التي تمر بها البلاد يظل التجاذب هو نفسه وكأننا بإزاء دوليتين متخاصمتين تلقى كل واحدة منهما بالمسؤولية على اخرى. ففي تصريح وزير الداخلية اتهام مبطن للقضاة بالتساهل مع » المجرمين » وبالتشجيع على الجريمة وفي تصريح وزير العدل رفض لتدخل السلطة التنفيذية في عمل القضاة وكان السيد الوزير ليس جزءا من السلطة التنفيذية التي يتحدث عنها أو لكأنه اضحى متكلما باسم السلطة القضائية التي من المفروض ان تدافع عن نفسها فهي بحكم منزلتها كسلطة مستقلة مطالبة بالتوضيح والرد فلا أحد وصي عليها او موكول له الذود عنها .فبطاقات الايداع بالسجن لا يمكن ان تصدر الا على القضاة بقطع النظر عن دور النيابة العمومية التي يعتبر وزير العدل مسؤولا قانونيا عنها.
غير انه في غياب مجلس أعلى للقضاء واع بدوره وحريص على سمعة القاضي يتحول السجال بين السلطة التنفيذية ونفسها، حتى وان تنكر وزير العدل الى انتمائه الى هذه السلطة فصار يحاججها.. هل نسي وزير العدل انه ليس قاضيا يدافع عن القضاء بل هو وزير في حكومة مثله مثل وزير الداخلية وان كل اعضاء الحكومة مطالون بالتضامن بينهم؟
قد يكون وزير العدل على حق في ما قاله عن القضاة وقد يكون أمرا جيدا ان تدافع السلطة التنفيذية هي نفسها ممثلة في وزير العدل عن استقلال القضاء هياكل و افرادا، لكن كنا نفضل ان يدافع صاحب الحق عن حقه لا ان تفعل ذلك جهة اخرى بالوكالة عن صاحب الحق. اذ ما يشتم من تصريح وزير العدل هو هذه الوصاية التي يستشعرها الوزير على القضاء في ترسيخ لعادات قديمة يبدو انها لا تزال تسكن لا وعي وزراء.
العدل كلهم بعد الثورة كما كان الحال قبلها. بل لعلها لا تزال تسكن عقول بعض القضاة. فما أصعب ان يكبر القضاء في حين ان كل شيء لا يزال يشعره بانه تحت الرعاية السامية لسيادته وزير العدل وقبل الثورة تحت الرعاية السامية لفخامة رئيس الجمهورية!