تلقيت بالأمس دعوة من أحد المصلين في المسجد بأن أشرب اليوم قهوة صباحية مع صديق له مقرب صيني الجنسية مقيم في تونس منذ سنوات.. طلب مني بكل لطف وحماس أن ألتقي به لأنه على ما فسر لي يوشك أن يقتنع بالإسلام ولا زال يريد فهم أمور بسيطة ونطق الشهادتين وله ثقة في شخصي لأشرح له بعض الأمور. فصاحبه هذا مسيحي يقول له دائما بأنه لا فرق تقريبا بين المسيحية والإسلام.
قبلت الدعوة والتزمت معه صباحا بقهوة وألغيت التزاماتي الشخصية الصباحية الى حدود التاسعة ونصف...ذهبت إلى القهوة قبل الضيف الصيني والشاب التونسي ببضع دقائق. وصل الصيني فيما بعد..
عرفته من وجهه وعرفني من جلوسي في المقهى كمن ينتظر أحدا فعرفت أنه ذكي جدا.. كان ودودا ويعرف تونس بدقة حتى أنه يعرف نفزة وطريق طبرقة ووشتاتة ويميز بين العيش هناك والعيش في العاصمة..
انطلقتا في حديث عام فوصل بنا المطاف الى الحديث عن حاجة الإنسان إلى السلام الروحي والطمأنينة. بدأ لي متسع الأفق. وصل صاحبنا ومعه شاب آخر. وبوصوله بدآ في النقاش وسرعان ما أخذ الصيني بزمام الحديث وكنت أتعمد الصمت وإبداء الاهتمام بما يقول..لأفهم طبيعة ما يحمل من أفكار وفي أي مستوى يمكنني أن أحدد معرفته بالأديان واللاهوت والشرائع.
تحمّس عندما سألته عن العهد القديم والعهد الجديد وبدأ يسرد من تفاحة آدم ليصل إلى المخلّص من الخطيئة الكبرى وأن قداسة الله تقتضي مخلّصا من ذنوب الآدميين..
كنت أنظر أيضا إلى الضيف الثالث الذي يرمقه بنظراته ويوجه له سرديته ويبدي تفاعلا وأحيانا استغراب بين ما تشابه من قصص الأنبياء بين التوراة الإنجيل وبعض قصص القرآن..
قضّى في هذا النسق عشرين دقيقة كنت أحيانا أسأله لأحدد مدى تعمقه فيما يقول... متسائلا بين الحين والآخر "في أي سفر هذا الذي تقول؟ في التكوين أم في الخروج أم في اللاويين...؟ هل تقصد يوحنا المعمدان؟
فكان يجيب ويبوب في قصص الأنبياء مما تشابه بين الكتب السماوية جميعها أبدى لي حافظا متمكنا …
قلت له "أنا مؤمن بكل من تحدثت عنهم من أنبياء لقد حدثنا عنهم القرآن ...ولكن عندي سؤال واحد... ما طبيعة المخلص الذي تؤمن به وتقول أن وجوده في علاقتنا بالله ضرورية للتطهر من الذنوب أهو ناسوت أم لاهوت؟ إن قلت ناسوت فهو مدنس مثلنا حسب ما تعتقدون وان كان لاهوتا فهو مقدس مثل الله فكيف أصبح ناسوتا؟
ارتبك وتابع ترشف القهوة وغير الموضوع...لماذا أنتم في تونس مسلمون وتغشون في الأسواق والشوارع..
قلت: ولماذا المنتسبون الى المسيحية المؤمنون بالمحبة والسلام قتلتم من البشر في حربين عالميتين واستعمار عشرات الملايين من الناس ولا زلتم؟ قال انها سياسة والمسيحية بريئة. فقلت: ونحن نغش لأننا مخطئون والإسلام بريئ.
فقط أجبني هل المخلص الذي تؤمن به كان إنسانا أم لاهوتا؟
قال ولما لا تقل كان إنسانا وإلها في نفس الوقت...ألا ترى الشمس بعيدة وحارة في نفس الوقت؟ ههه
قلت وما علاقة الشمس بالمقدس حتى تعتمدها معيارا على الاعتقاد في الإله..نحن نقول هي فقط دليل على وجوده وليست معيارا..
أسألك أيضا عندما صُلب المخلص كما تعتقدون: من الذي مات فيه أولا اللاهوت أم الناسوت ليفارق الحياة؟ ويخلصنا من خطايانا…
تسارعت رشفات قهوته وغير الموضوع وهو يسألني عن موضوع خاص: ماذا تدرس أنت؟
أنا.. أدرس في كل أولئك الذين دافعوا الى آخر قطرة من فكرهم حتى لا يتركوا الله في متناول أيديكم.. أولائك الذين لم يتركوا الإسلام حيطه واطي …
قال لي وقد همّ بالوقوف مع صديقنا الآخر وصاحبه الذي نهض مبتسما...ما رأيك لو تصبح هذه قهوتنا نلتقي فيها باستمرار...قلت نعم بكل سرور... فقط المرة القادمة أجبني أيهما كان أكثر في المخلص هل الناسوت أم اللاهوت؟
ولو كان جا بحذانا حانوت مواد بناء راني شريتلوا ميزان بطاطا باش يوزنهم…
ما أردت قوله أن هذا الشاب قدم من الصين ليعيش في تونس بعائلته وله الآن سبع سنوات مهمته أن يكون مبشرا وقد دخل الجلسة بكل ثقة فيما يقول لأنه يعتقد أن الشباب في تونس خاوي من المعرفة بالإسلام فما بالك بالأديان الأخرى حتى أنه يظن ان بمقدوره أن يروّج بسهولة المسيحية التي يعتبرها ول ديورنت في قصة الحضارة أنها أرقى أشكال الوثنية التي جاء بها العقل القديم…
نسي أن فلاسفتنا ومتكلمينا وعلماء اللاهوت عندنا وصلوا بالإسلام إلى مجادلة الهندوسية في تناسخ الأرواح والزرادشتية في اختلاط النور بالظلمة شرقا وقالوا أننا ورثة إبراهيم جئنا ثائرين على معابد الأحبار والرهبان بوحدانية خالصة ... ليس كمثله شيء.