من بين الأمراض القاتلة للأحزاب اليسارية التونسية هي جنوحها للتصفية والطرد بمجرد وجود خلاف بين المنتمين إليها على عكس الأحزاب اليمينية التي غالبا ما تترك المجال للصراع يأخذ مجراه ويستوفي كل مراحله. في هذا الاتجاه سأطرح ثلاثة أمثلة:
- المثال الأول يتعلق بيوسف الشاهد الذي لم يتم الإعلان بصفة رسمية إلى حد الآن عن طرده من حزب نداء تونس رغم خروجه من هذا الحزب وتكوينه حزبا جديدا (تحيا تونس) وخوضه الانتخابات الرئاسية والتشريعية باسم هذا الحزب الجديد.
المثال الثاني يخص حمادي الجبالي القيادي في حركة النهضة الذي أعلن صراحة عن خروجه من الحركة وعن اعتزامه تكوين حزب جديد وخاض الانتخابات الرئاسية منافسا لمرشح حركة النهضة عبد الفتاح مورو ورغم ذلك لم يقع إعلان طرده وصرّح راشد الغنوشي بأن باب الحركة مازال مفتوحا أمامه. في نفس السياق نذكر زياد العذاري القيادي في حركة النهضة والذي صوّت ضد قرار حركة النهضة في دعم حكومة الجملي وكذلك ضد حكومة الفخفاخ ورغم ذلك لم تتخذ الحركة في شأنه قرار الطرد.
المثال الثالث يتعلق بحزب العمال والذي سارع بطرد عدد من قيادييه البارزين من بينهم أنا وعبد المومن بلعانس وسمير حمودة وغيرهم واعتبار عشرات الآخرين منسحبين أو مستقيلين رغم أن هؤلاء لم يعبروا عن مواقف معلنة مضادة لمواقف الحزب ولم يعلنوا انسحابهم منه بل إن ذنبهم الوحيد هو أنهم عارضوا قيادته وعقدوا اجتماعات بمناضلين من الحزب وتوجهوا برسائل وعرائض لقيادة الحزب لمطالبتها بالإصلاح قبل فوات الأوان.
نطرح هذه الأمثلة لنبين لماذا بقي اليسار منعزلا ولم تتطور أحزابه لتصبح أحزابا جماهيرية على عكس الأحزاب اليمينية التي كانت أكثر ليونة في التعامل مع معارضيها وأكثر اتساعا لتقبل الرأي المخالف وأكثر قدرة على إدارة الخلاف داخلها.
وإن أي نقد أو مراجعة من الأحزاب اليسارية لا يتناول مسألة البيروقراطية التصوفية بالنقد هو مجرد ذر للرماد على العيون ومواصلة في نفس النهج التصفوي.