سجن المحبة…

Photo

-1-أشكر كل من تفاعل مع حدث الاستقالة وشكرا لكل من تفاعل مع نص الاستقالة. وكنت اعرف انه قد يكون علي حسن ادارة الحوار السياسي او الفكري او الاستراتيجي او تحميل المسؤوليات. وهذا عادي. ولكني كنت أدرك ان الاكثر تعقيدا سيكون ادارة كتلة المشاعر والانفعالات. وهذا ما حصل بالفعل.

وبدل ان يتركز حديث على مضمون النص الا انه تركز على تاريخ المستقيل ومسؤولياته السابقة ونواياه للمستقبل وإمكانية ان يهدد البناء الذي كان فيه. اجدد التأكيد انا شريك في تجربة لأربعين سنة و في مواقعها المتقدمة منذ اكثر من ثلاثين سنة.

وأعلنها بوضوح: لا زلت على ذمة الحركة التي كنت فيها لتحمل مسؤوليات عبر اي الية مستقلة. طالبت بذلك أكثر من مرة وأعيد المطالبة. هناك حقوق لا تسقط بالتقادم. اعتز بكل من تشرفت بالعمل معه واعتذر لكل من اخطأت في حقه. فقط حرصت ان اكون دائما صادقا في حدود الإمكان البشري. اعرف نفسي جيدا بشرا يأكل الطعام ويمشي في الاسواق، اقل كثيرا من ملاك وارفع قليلا من شيطان.

مسؤولية الذاكرة انا مدين بها ايضا للراي العام الوطني وسأكون على ذمة مراكز الدراسات والباحثين للإدلاء بشهادتي ضمن رؤية تدعو الفاعلين الاساسيين في العقود الماضية الى التدوين حتى تملا فراغات ذاكرتنا الوطنية. تكوين اطارات المستقبل يساهم فيه منهج نقل التجارب. بالطبع النسخ غير ممكن و لكن لا احد ينطلق من ورقة بيضاء.

-2-انتهت تجربتي مع النهضة بشكل نهائي، و التفصي من الاستحقاقات وترجيح التلاعب بها هو احد الاسباب وليس كلها. المهم عندي هو ان التجربة بلغت اقصى ما يمكن بالمعنى التاريخي. رغم انها يمكن ان تتواصل لكن كقوة ضبط اجتماعي وسياسي تملا الفراغ وليس كقوة للتقدم رغم توفرها على فرص الانطلاقة الجديدة. ولكن طريقة ادارة الانتقال ستقضي على هذه الفرصة. هذا ترجيحي الشخصي و ابني عليه موقفي و احترم كل التقديرات و الاجتهادات الاخرى.

وقد كانت هناك خيارات اخرى لمواصلة فرض الاصلاح مثل الدعوة الى مؤتمر استثنائي كعنوان سياسي بسبب التفصي من الاستحقاقات وعدم تحمل نتائج الخيارات. ولم افعل ذلك تقديرا لنفور الراي العام من الصراعات داخل الاحزاب وحرصا على علاقات ثمينة وعميقة هي كل ما جنيته في حياتي، كما لم اشتغل على فكرة الانشقاق لأسباب اخلاقية وسياسية.

غادرت منفردا ولن التفت حتى لو تم تحديد موعد المؤتمر حتى ولو أعلن الرئيس على الملأ عدم ترشحه للاستحقاق القادم.

لا افكر في نهضة 2 ولا نهضة 50، و لن ارمي البناء الذي ساهمت فيه بشيء ما بأحجاري،فلدي كا افعل و ارض الله واسعة . ولكني لن اصمت. فالاستقالة حدث سياسي وليست حالة نفسية. واستغرب من الحديث عن اعلام العار. سالبي كل الدعوات. فللإعلاميين واجبهم في انارة الراي العام ولبعضهم أجنداتهم ولدي القليل من الذكاء للتحكم في لساني. ولم أجد، لحد اليوم على الأقل، اعلاميا أشهر في وجهي مسدسا ليلقنني مضمون ما اقول.

اريد ان أنبه أنى لن اكون الاداة التي تضرب بها النهضة. فالنهضة على اخطائها الكثيرة الافضل بين الاحزاب، وأتمنى للديموقراطيين فيها كل التوفيق. لن ابني هويتي السياسية الجديدة على إساس تصفية حسابات التاريخ او على اساس معارضة النهضة. الانفعالات لا تبني والضدية لا تبنى.

بعد ايام سأتفرغ للتفكير والعمل من اجل المستقبل وحينها سأهتم بالنهضة كما اهتم بالتجارب الكبرى في البلاد في إطار تفكير حول السلطة ومعناها وطرق التأثير فيها ة موقع الاحزاب السياسية منها لأني اومن انه لا ديموقراطية دون احزاب سياسية لكن مع المشاركة في الجهد النقدي للبشرية لأدوات العمل ومع الاستفادة من تجربتنا التونسية قبل وبعد الثورة وخاصة الخلاصات البليغة لانتخابات ماي 2018و انتخابات خريف2019 وتفاعلا مع خيبات وتطلعات أجيال جديدة لعمل سياسي سليم وشفاف يفتح أبواب المشاركة حسب كفاءتهم.

شعاري في الحياة ان اكون مفيدا.

بوصلتي حديث نبوي شريف: اذا قامت الساعة و كانت بيد احدكم فسيلة فاستطاع الا تقوم حتى يغرسها فليغرسها فله بذلك اجر ومقربة لاندري مالرو في رواية "الامل ":افضل شيء يمكن ان يفعله المرء في حياته ان يترجم اوسع تجربة ممكنة الى وعي ". غرابة الفسائل وزراعة الامل أفضل من التزاحم والتراشق.

-3-لن اصمت.

واستغرب ممن يطالبني بذلك. المهندس حمادي الجبالي كان مخطئا عندما صمت. الطريف هذه التشبيهات من قواميس المنازل مثل الحديث عن البيوت ونشر الغسيل وواجب الصمت. قاعدة الصمت توجد عند المافيا ولا توجد عند الاحزاب السياسية بما هي كيانات تعاقدية يقايض المرء عند الانخراط فيها شيئا من حريته مقابل نجاعة أكبر. وبالإمكان إنهاء هذا التعاقد من الجانبين.

سأتكلم مع مراعاة انني لن اذكر الاسماء ولن اكشف ما هو معتاد في الاحزاب من خصوصيات ولن اتعرض للأعراض وسأحرص على نقل الحوار الى الدائرة الفكرية والسياسية مع التأكيد دائما ان ما أقدمه هي وجهة نظر شخصية.

ارجو ان يتفهم أصدقائي النهضويون أنى لم اعد منخرطا معهم كي اتصرف من منطلق الانضباط الذي تعودوا وتعودت به. لقد غادرت. بالطبع يسعدني ان احافظ على محبة كل أصدقائي مع القيام بما يمليه ضميري، ولكن ان وجدت تعارضا فسأغلب الانسجام مع قناعاتي على محبة مشروطة. دون هذا لن احترم نفسي. للأسف الشديد.

لن أرد على الشتائم والتخوين. واحترم الجميع. فقد اخترت خيارا واعرف تكاليفه. والانتقال الديموقراطي لا تزال أمامه مسافة طويلة.

-4-لاحظت ان كثيرين يشيرون الى احتمال الفشل. البعض اشفاقا والبعض الاخر تهديدا وتحذيرا من مآلات "الامم من قبلي ". لولا المغامرون لاستمرت البشرية في العيش في الغابات لحد اليوم. احيانا نخشى الفشل ونحن نعيش تدوير الفشل. عندها يصبح الفشل طبيعة والرتابة ثقافة والتفكير في مسالك جديدة كفرا.

لن يختل نظام العالم ان تعثر شخص او فشل. قد يجعل فشله سلما لنجاح غيره. انزعج من شباب يتهيب المغامرة مثل مشائخ التسعين. يذكرني الشباب المقرب في بعض الاحزاب بالشبيبة البورقيبية التي كانت تربي كائنات مدجنة لم تقو على مجاراة شباب الميادين في المعاهد والجامعات.

اريد التمتع ببعض ممكنات الثورة الحرية. سأواصل المزاوجة بين التفكير والعمل من اجل "شيئ" قد يكون مفيدا لتونس، من خلال المساهمة في ورشات للتفكير الجماعي. وسيكون من رفاقي كل من يقبل التشارك.

لدي كثير من الاصدقاء وأقربهم الى قلبي الذين يشبهونني: استقلالية التفكير والإرادة والانضباط الاخلاقي والتسامح. سأحاول البحث عن روح جديدة لي.

Commentaires - تعليقات
Pas de commentaires - لا توجد تعليقات