إنّ منحني بيان وجود الإنسان باعتبار عنصر الزمن مسطّر في علم الغيب بما هو كائن فما فاتك من سهام القدر فلن يصيبك وما كان لك فلن تفلت منه وكما لا ينفع حذر مع قدر، وما خفي عن العلم الظاهر سوف يتوضّح مع مرور الزمن وتتّضح معالمه مع ممارسات الإنسان وسعيه وسيره في بحر دنياه.
فما على الإنسان إلا أن يتسلح بالعلم ويصارع بالعمل ويقاوم بالصبر والانضباط والعزيمة ليغيّر ويثقّف ويهذّب ويصلح، يجدّل قناعته يتخلّى يتحلّى ويجمّل مطالبه ويحدّد مقاصده وأهدافه.
وفي هذا الظرف العصيب على الإنسانية جمعاء التي دخلت في نسق حياة بطيئة كأنه السبات وإلتزمت غير مخيّرة الحجر الصحي الشامل أن تعيد ترتيب أولوياتها وتغيّر ما بنفوسها ولا تغتر بسفر الظاهر فقد ظهر جليا زيف وخداع الثقافة الماديّة والنظريات والايديولوجيات بتنوع رؤاها ومفاهيمها والتي مدارها عالم الحسّ والكسب والربح والنفعية فلقد بان بالكاشف عجز البشرية امام كائن دقيق لامرئي من فصيلة الفيروسات فلقد أحالها إلى حياة بطيئة ونسق مغاير تماما للسير العادي لحياتها الطبيعية. إنها فرصة للتدارك والتدبر والإتعاظ والتفكّر والتأمّل وإستيعاب الدرس من مدرسة الحياة.
لم تجدي نفعا لإيقاظ النفوس البشرية الظالمة والجشعة واللئيمة بعض الإشارات الكونية ضمن صيرورة حياتهم الطبيعية من موت وكوارث طبيعية في بعض الأحيان ولكن بقي بنو البشر يسارعون ويتهافتون ويتسابقون في مضمارهم وقالبهم المادي يحدوهم الأمل شعارهم اعمل لدنياك كأنك تعيش أبدا غافلين عن الشطر الثاني واعمل لآخرتك كأنك تموت غدا ولكن فيروس كورونا فرمل نسقهم أقلق راحتهم ايقظ مضاجعهم عطّل مشاريعهم وأهدافهم بدّل حركتهم وسيرهم ومسارهم الى شلل وحياة رتيبة بطيئة عكس تماما ما كانوا عليه إنها المفارقة العجيبة والحدث المغاير للصورة والسياق النمطيّ للحياة البشريّة.
إنها الحياة بمذاق اخر بنكهة العدوى والخوف من المجهول ومن إطلالة الموت ورائحته. لعل سلالة البشر تغيّر من طباعها تعدّل أوتارها وتوازن إيقاعها تبدّل قناعاتها تصلح مفاهيمها وان كان هذا غير متاح لكافة البشر فعلى كاهل طلائعها وروادها وقاداتها ومفكريها إعادة النظر وايجاد الصيغ الحقيقية الكفيلة لسعادة البشر ولعل الإنسانية ترحل عندئذ من سفر الظاهر الى سفر الباطن كي لا تصاب في المرة القادمة بجائحة أخرى وصدمة قوية تحيلها الى العدم المعدوم فلا تبقي ولا تذر لتجعل غالبيتهم صرعى كأعجاز نخل خاوية.