الصحّة والثّقافة ورأس المال

Photo

انقسم الجدل حول خرق الحجر الصحّي لمواصلة تسجيل الأعمال الدّرامية الرّمضانيّة التّونسيّة إلى فريقين: فريق أوّل أثار المخاطر الصحيّة التي يمكن أن تنجرّ عن خرق الحجر وهي مخاطر تشمل كامل الفريق الذي سيجد أفراده أنفسهم مضطرّين لكسر التباعد الواقي من العدوى، وتنسحب على من سيختلطون بهم أثناء التّصوير وبعده سواء من عائلاتهم أو محيطهم الاجتماعي.

لم يناقش أصحاب هذا الرّأي قيمة الأعمال الفنيّة في حدّ ذاتها لكن اعتبروا أنّ هذا النّشاط الذي يتداخل فيه الثقافي بالتّجاري ليس حاجة ضروريّة قصوى نعرّض بسببها المجتمع لمخاطر عدوى ممكنة.

وقد ردّ أحد المعنيين بالتّصوير على هذا الرّأي بتصنيف فريق التّصوير بكلّ أصنافه ضمن المقاومين للوباء الذين لا يقلّون شأنا عن الجنود والأطبّاء في مواجهة المرض بالثّقافة التي تسهّل على المواطنين التّأقلم مع الحجر الصحّي.

هناك فريق ثان يتبنّى نفس أطروحة الفريق الأوّل ولكن زاد عليها موقفا نقديّا قديما متجدّدا من هذه الأعمال الدّراميّة التي هي بنظر هذا الفريق لا ترتقي من حيث مضامينها مستوى يستحقّ أن نخاطر من أجله بالصحّة العامّة …

تقييمات يختلط فيها البعد الذّوقي والأخلاقي والفنّي المعياري ... هو نقاش عموميّ طبيعيّ يعبّر عن مشارب مختلفة اقتضاه الوضع الوبائيّ ...

لكن السيّدة وزيرة الثّقافة كان لها رأي آخر حيث اعتبرت هذا الجدل يكشف معاينة حزينة تتمثّل في نقص ضخم في التّربية على الثّقافة في تونس ودعت أهل القطاع الثّقافي للتّعبئة من أجل معالجة هذه الآفة وختمت رأيها المتواضع كما قالت بـ " عاشت تونس سيّدة نفسها «.

السيّدة وزيرة الثّقافة لم تجرؤ على نسبة ضّعف التّربية على الثّقافة للتّونسيين وتركت نسبتها مبهمة لتونس في انحياز صارخ لوجهة نظر لا تعبّر عن عموم التّونسيين مهما كانت قيمتها خاصّة وأنّ أصحاب الرّأي الآخر هم الجمهور المستهدف بهذه الأعمال وهم محرار الأوديمات والإشهار الذين يراد لهم أن يكونوا مستهلكين سلبيين مستلبين بُلَهَاء لا رأي معتبر لهم لأنّهم يعانون من تضخّم في ضعف التّربية على الثّقافة …

ما لم تذكره السيّدة الوزيرة أنّ المسألة لا علاقة لها بالثّقافة بل بلوبيات الإنتاج التي اتّخذت من الثّقافة مادّة استهلاكيّة للتسويق والإثارة والإثراء وهي التي ضغطت من أجل أن لا تفوّت على نفسها فرصة سنويّة لجني الأرباح على حساب الاستراتيجيا الوقائيّة لبلد في حالة استنفار وتعبئة شاملة ضدّ وباء يهدّد البلد والإنسانيّة جمعاء …

وزارة الثّقافة تحوّلت منذ زمن إلى راعية لمصالح هؤلاء والخطوط الحمر التي يسيّجون بها الثقافة والفنون … وكان على السيّدة الوزيرة في حكومة نزع الرّيش عن الرّؤوس أن لا تبرّر خضوعها لمصالح هؤلاء بضعف التربية على الثّقافة في تونس فلا هي ولا غيرها يمثّلون كهنوتا ثقافيّا يحاكم الأذواق والآراء النقديّة …

كان عليها وهي من يفترض أن تمثّل الثّقافة الوطنيّة في بلد أنجز ثورة على الرّداءة والثقافة الاستهلاكيّة وعصابات السرّاق أن تلتزم الحياد وذلك أضعف الإيمان عوض أن تنصّب نفسها حاكمة على الأذواق والآراء خاصّة وأنّ هذه الأعمال مهما اختلف النقّاد المتخصّصون في تقييمها لا تطرح قضايا وطنيّة حارقة ولا تمجّد شخصيات وطنيّة اعتباريّة ولا تصوّر محطات بارزة من تاريخ البلد بل لا تتبنّى منظورا اجتماعيّا في تناول واقع القاع الاجتماعي …

السيّدة الوزيرة: تونس لن تعيش سيّدة نفسها إلّا بالتنوّع وحريّة إبداء الرّأي أوّلا ثمّ بثقافة وطنيّة تعبّر عن كيان الشّعب وأشواقه وطموحاته وتحفّزه للتقدّم … وأخيرا بوزارة ثقافة تعبّر عن تلك الرّوح التي قادت الثّورة لا يكون فيها الوزير وسيطا بين لوبيات رأس المال المتمعّش من الدعم المالي واللوجستي والدّولة …

نعم لا بدّ من تعبئة عامّة من أجل ثقافة وطنيّة مهجتها منغرسة في قضايا شعبها وتطلّعاته.

Commentaires - تعليقات
Pas de commentaires - لا توجد تعليقات