حدودنا الشرقيّة أصبحت آمنة محميّة من تواجد نظام عسكريّ معتوه هو واجهة لحلف انقلابيّ مؤامراتيّ متصهين هدّد أمن بلدنا في مناسبات متعدّدة ... التدخّل التركي ساهم في حسم الموقف لصالح حكومة الوفاق المعترف بها دوليّا ... فهل يشكّل هذا خطرا على المنطقة وعلى حدودنا؟
الأكيد تركيا دولة قوميّة براجماتيّة تخدم مصالحها التي قد تتقاطع أو تتضادّ مع مصالحنا ... هذا من تحصيل حاصل ويجب التنبّه له من أجل علاقة متكافئة ... ولكنّ تركيا لم تعاد يوما الثّورة التّونسيّة وديمقراطيّتها النّاشئة ... وقدّمت ولا زالت الدّعم لهذه التّجربة ... بل كانت علاقتها بتونس زمن المخلوع من نفس جنس المعاملة من طرف نفس منظومة الحكم ... قصّة النزعة الاستعماريّة وحلم الهيمنة الامبراطوريّة خرافة سخيفة يسوّقها المتهافتون وحبيسو الايديولوجيات المتكلّسة والأحلاف الرّجراجة …
مواقف تركيا من الأوضاع التي شهدتها المنطقة منذ أن اشعلت الثّورة التّونسيّة فتيل عصر التحرّر من هيمنة الاستبداد هي مواقف متفاوتة بين حماية مصالحها وحدودها وحماية اللاجئين والانخراط في تحالفات متحوّلة ... من حقّنا أن ننقد هذه المواقف ولكن ليس من حقّنا أن نعزل بلدنا عن الدّاعمين والمساندين لدولتنا وتجربتنا ... وهذا ينطبق على كلّ دول العالم التي بيننا وبينها علاقات رسميّة وتحترم إرادة مؤسساتنا وخياراتنا السياسيّة وقوانيننا …
ما تقوم به إحدى بائدات النّظام القديم وبعض الملتقين معها موضوعيّا من اصحاب النزعة القوميّة المتشنّجة من تهييج لا يعدو أن يكون بؤسا سياسيّا وتهريجا لا طائل من ورائه ولن يوقف عجلة الزّمن وإن كان يشوّش على المسار ويهدّد مصالح البلد ... هي معركة مفتعلة بالوكالة عن كفلاء أجانب محورها صراع أحلاف لا يعنينا ولا يجب أن نكون فيه معولا بيد هذا الحلف أو ذاك ...
الدّولة التّونسيّة مدنيّة ودستورها مدنيّ وهي دولة مسلمة تقدّميّة كما قال مؤسّسها الأوّل ... مدنيّتها ثابتة بدستورها ببنديه الأوّل والثّاني ويكلّ فصوله التي تفسّر باعتبارها وحدة متكاملة ... لا يهدّد مدنيّتها إلا الإرهاب الدّاعشي والتطرّف اللائكي المتكلّس الذي يستنتسخ حرفيّا دون اجتهاد نمط اللائكيّة الفرنسيّة البائس الذي جعل فرنسا أضحوكة العالم في مجال قضايا الهويّة والاندماج والحريات الدّينيّة والأقليات والعلاقة بالإسلام والمسلمين والمهاجرين بمختلف أجيالهم ...
لرئيس الدّولة حلم مشروع ولنا دستور وبرلمان ومؤسسات دستوريّة شرعيّة ، ومهما كان الموقف من أدائها وما يقتضيه ذلك من تعديل وتصحيح فلا مجال للعودة من جديد إلى الفوضى والمغامرات وحكم الهوى والإيديولوجيّات والأفراد الملهمين ... رصيده الانتخابي الحقيقيّ الصّافي الخالص الذي اختاره النّاخبون من أجل ما يفترض أنّه مشروعه هو ما حصّله في الدّورة الأولى ... ما انضاف إلى ذلك هو عدد النّاخبين الرّافضين للفساد وليس المساندين لهذا المشروع الذي لا يزال أماني وتصريحات غائمة شكلا ومضمونا ووسائل …
لا بديل لأحزاب الحكم عن العمل التّضامني المتكامل بينها حول برنامج مشترك وتبقى الخلافات الايديولوجيّة قائمة مجالها الجدل الفكري والسياسي …
شعبنا الطيّب ينتظر التنمية والعدالة الاجتماعيّة والعيش الكريم فهل تعي نخبته أنّها بصراعاتها وتجاذباتها وتعفينها للمناخات العامّة تفوّت عليه الفرص وتعطّل مساره نحو تحقيق مطالبه؟