اعتصامكم أتمنى له أن يتم في موعده وفي مكانه. ليس فقط إيمانا بالحرية، حتى لأعداء الحرية، وأنتم تعيشون في ظلها. وإنما لتدركوا حجمكم الحقيقي، حتى لا يعود إليكم من يحرككم ويحرضكم مرة أخرى.
الذين كانوا يخافونكم، خوفهم من الشعب التجمعية وعيون لا تنام والعمد وبوليس بن علي، لن يلتحقوا بكم خوفا مثلما كانوا يخافون ولا يمكن أن يفضلوا العيش تحت نيركم.
الأطفال كبروا، تبدلت البلاد وأنتم لا تدركون، فخلال عشر سنوات كبر الأطفال، ملايين لا يمكنكم أن تُرهبُوهم وهم لا يتذكرون أصلا التجمع الدستوري الديمقراطي ولا شُعَبه الترابية والمهنية التي كانت تحاصر الناس أنى كانوا، ولم يمروا يوما بمنظمة طلبة التجمع الدستوري الديمقراطي، ولا استمعوا إلى زغراطات الاتحاد النسائي، ولا شنفت آذانهم مثلهم "قافلة تسير" ولا يعرفون من هو رؤوف يعيش. ولا استفادوا من "فرحة الحياة" ولا عاشوا في "بلد الفرح الدائم". هؤلاء يصعب عليكم أن تُقنعوهم بأن يعودوا تحت الحذاء..
الذين وقفوا معكم في اعتصام 2013، فيهم من كان عن حسن نية وجعا لاغتيال الحاج البراهمي، وفيهم كرها لهذا الطرف أو ذاك، وفيهم اصطفافا إيديولوجيا، يصعب أن يعودوا إليكم، وقد رميتموهم بعد أن وصلتم إلى السلطة.
اعتصامكم، امتحان لكم، ولذلك أرجو لكم أن لا تتنازلوا عنه أو توهموا الناس بتأجيله بمحض إرادتكم، وإني أراكم فاشلين فيه.
هزيمة حفتر..
إن انهزام حفتر يعود في أحد أسبابه، إلى انهيار أسعار النفط، إذ تراجعت موارد الدول الداعمة له، مثل الإمارات والسعودية وكان من الواضح أن عجزهما عن الاستمرار في دعم حفتر بالشكل الضامن لصموده، هي مسألة وقت، إذ لا يمكنهما الاستمرار في تغذية القتال على عدة جبهات في نفس الوقت، في ظل تراجع الموارد النفطية. وأما مصر، فدورها في الساحة لا يتجاوز دور المرتزقة تبعية لما يحاك في الرياض وأبو ظبي.
إلا أن المعطى الأساسي في اعتقادي هو أن ليبيا مبنية هيكليا على ثنائية الجسم الشرق والغرب، أحدهما يلتفت مشرقا والآخر مغربا، ومازالت الوحدة بينهما طرية، إذ لم يتجاوز عمرها الستين سنة على الأقصى، وهي فترة قصيرة جدا في أعمار البلدان والشعوب، والقتال الذي يقوده من جهة حفتر ومن جهة أخرى السراج هو في أحد أوجهه تكريس لتلك الثنائية، ولا يمكن فرض أحدهما على الآخر. ولا يمكن لأحدهما أن يسحق الآخر مهما كان الدعم الخارجي، ومهما كانت الأحلاف التي تقف إلى جانب هذا الطرف أو ذاك.
وقد وعد حفتر بأنه سيدخل طرابلس في الأيام الأولى من أفريل من السنة الماضية، ولم ينجح حتى بعد سنة من الموعد الذي حدده بنفسه، ولن تنجح عملية مماثلة في المقابل.
وحينئذ، يبقى أن الحل الأقرب إلى الواقع هو ما يبنى على التفاوض والتفاهم والتنازل المتبادل بين الشرق والغرب. وفي غياب ذلك قد تتحول ليبيا إلى بلدين.