الغنوشي يهنئ السراج: خمس تدوينات-تيزنغ مجتمعة

Photo

توطئة أو تيزنغ (5/0)

اتصلت بي مصالح الاستاذ أو الشيخ راشد الغنوشي وسألت إن كان بإمكاني نشر بعض التدوينات لمساندة الرجل والرد على الاتهامات التي طالته والبيانات والمكاتيب التي انهالت على مكتبه. وأمام إغراءات الاتعاب المقترحة والتي ستدفع بالفرك السويسري مباشرة في مدينة سيون، قبلت المهمة. أما الوثائق المعتمدة فهي أساسا بيان مشترك لأحزاب حاكمة ومعارضة، رسالة من مساعد الرئيس، النائب نبيل حاجي، بيان حزب التيار وتصريحات سمير الطيب ومحسن مرزوق كممثلين للذين لا يمثلون شيئا.

الجزء الأول: في منصب رئيس البرلمان عموما أو تيزننغ (5/1)

الحديث عن خرق للدستور في علاقة مع تصريحات الغنوشي أو زياراته ليس ذا معنى لأن خرق الدستور لا يكون إلا بالفعل الوازن والقرار ورئيس البرلمان ليس مصدر قرارات تنفيذية. الدارسون والعالمون بتفاصيل الدستور يدركون أن "رئيس البرلمان" وهو مذكور بالصفة في الفصول 66, 77, 80, 83, 84, 97, 98, 114, 115, 116, 117 و120, ليس سوى طرف يستشار وجوبا في حالات وهو كذلك جهة تسلم تقارير الهيئات الدستورية في حالات أخرى. الحالات الوحيدة التي يكون فيها صاحب قرار هي:

- الاعتراض أمام المحكمة الدستورية على تواصل/تجديد الحالة الاستثنائية المرتبطة بما يعرف بالخطر الداهم على معنى الفصل 80.

- القيام مقام رئيس الجمهورية في حالة الشغور الدائم على معنى الفصل 84 وفي هذه الحالة تنتفي صفته كرئيس برلمان.

- اصدار أو تنقيح القانون الداخلي الذي يقدمه بصفته رئيسا للبرلمان إلى المحكمة الدستورية والتي يمكنها نقضه بسبب عدم احترامه للدستور.

يعني بعبارة أوضح وبصفة عملية، لا يمكن الحديث عن اختراق الدستور من طرف رئيس البرلمان لأنه نادرا ما يكون في موقف اتخاذ قرار يلزم الغير. يستثنى من هذا طبعا التشريع الذي هو "قرار" جماعي ومهمة المجلس ككل.

الجزء الثاني: في ما يخول وما لا يخول لنواب الشعب أو تيزننغ (5/2)

بعد أن بينت أن الحديث عن خرق للدستور هو حديث غير ذي معنى أواصل هنا "تفريك الرمانة " وتناول ما هو متا وما هو مباح لنائب شعب وما هو غير ذلك. أقول نائب شعب ولا أقول رئيس مجلس النواب لأن رئيس البرلمان هو قبل كل شيء نائب شعب كسائر النواب وهو ملزم بما ينص عليه القانون الداخلي للمجلس. وانطلاقا من القاعدة القانونية (والشرعية) التي تقول أن كل "ما لم يمنع بنص صريح فهو مباح" فهذا تذكير بما يمنع على كل نائب. يمنع على نائب مجلس الشعب:

- مواصلة العمل بالوظيفة العمومية بعد انتخابه عضوا بالمجلس. ويحال على عدم المباشرة بمجرد انتخابه.

- استغلال صفته للقيام بأي عملية اشهار يتعلق بمشاريعه المالية أو التجارية أو المهنية.

- التعاقد بغاية التجارة مع الدولة وهياكلها مركزية كانت أم محلية.

- مقاضاة الدولة أو القيام بإجراءات ضدها بالنسبة للنواب الذين يشتعلون في القطاع العدلي.

- الجمع بين النيابة في مجلس الشعب وخطة مسؤول في هيئة تونسية حكومية أو شبه حكومية أو هيئة أجنبية أو عالميه.

في ما عدا ما ذكر، انتهى المنع وانتفى الردع.

الجزء الثالث: في صلاحيات رئيس الجمهورية وفي توازي الرتب أو يزننغ (5/3)

هناك خطأ أو اثنان شاعا وانتشرا وارتقيا إلى حقيقة ثابتة وذلك من باب المغالطة ومن منطلق سياسي رئاسوي. رفع الالتباس وتجاوزهما أمر بالغ الأهمية:

- الشؤون الخارجية وشؤون الدفاع ليست صلاحيات حصرية لرئيس الجمهورية لا نصا ولا فعلا. تاريخيا، هذه العبارة ظهرت في فرنسا زمن "التعايش السياسي" بين ميتران وشيراك (1986-1988) وهي مغالطة لأن المجالين مشتركان وكذلك هو الحال في تونس بقطع النظر عن خلفية الرئيسين السياسية. صحيح وان الكلمة الأخيرة لرئيس الجمهورية ولكن المجالين غير حصريين.

- المغالطة الثانية وهي من نفس القبيل تكرس أو بالأحرى تحاول تكريس مبدأ "توازي الرتب" في الاتصالات السياسية. يعني بصورة بسيطة، وهو مبدأ لا تقبله إلا العقول البسيطة، الرئيس لا يتصل الا برئيس من مقامه والوزير لا يستقبل إلا وزيرا وشيخ المدينة لا يهاتف إلا شيخا أو شيخة. كلام سخيف ومنطق خفيف لأن الرؤساء والملوك يتصلون بكل الطيف السياسي وحتى الاقتصادي من الوزراء الى النواب وحتى رجال الاعمال والعكس صحيح.

انا لست ممن يشاركون ويباركون التوجه السافر الذي يهدف إلى إرساء "هيبة متعاظمة" لرئيس الجمهورية وحتى لو افترضنا أن ذلك هدف ذو جدوى فإنه لا يتحقق عبر مغالطات سخيفة لا ترددها إلا الاواني الفارغة التي تؤثث لبعض البلاتوهات التلفزيونية.

الجزء الرابع: في الشكل الذي لا يخدم الأصل أو تيزننغ (5/4)

بعد الحديث في الأجزاء الثلاثة الأولى بصفة عامة وبقطع النظر عن الاشخاص والاحداث نأتي هنا إلى خصوصية الحالة يعني لموضوع "التهنئة" ولتبعاتها بداية بالأمور الشكلية قبل الانتقال الى أصل القضية في الجزء الخامس. البيانات المختلفة التي صدرت عن أحزاب أو كتل برلمانية كانت مغالية ومشخصنة والمبالغة والغلو عدوان للمصداقية غالبا:

- بعض هذه البيانات استعمل مثلا عبارة "بعد الاطلاع على فحوى المكالمة" وهي عبارة فيها شيء من عبق الماضي وعبارات "استفيد" البوليسية غير المأسوف عليها والحال أن لا أحد اطلع على المكالمة.

- بعضها أيضا استند الى ما قاله مكتب السراج, وبيانات السراج تلزم السراج, وألصق ذلك بموقف رسمي للمجلس والحال أن مواقف المجلس لا ينقلها زيد ولا يذيعها عمرو وإنما تصدر في بيانات رسمية للمجلس.

- بعضها الآخر تحدث عن أمور هي أقرب للاصطفاف وراء محور بعينه والحال أنها تدعي الاعتراض على أي اصطفاف. عبارات من قبيل "المنظمة العالمية للإخوان" او "الاحتلال التركي" هي أقرب لأغراض التندر والضحك منها للمواقف السياسية المتزنة.

- وأخيرا وليس آخرا تزامن كل هذه البيانات المتضامنة, ولو بطريقة غير مباشرة, والمصطفة وراء مجرم يقتل المدنيين في بلده, ولو اننا سنترك الاصل للجزء الخامس, التزامن إذا مع هجمة شاملة وعنيفة على شخص الغنوشي هو تزامن يوحي بتداخل أيادي "اقليمية".

مما لا يخفى على من يتمتع بحد أدنى من العلم والخبرة في علم الاتصال هو أن التهجم المغالي والمشخصن يصب غالبا في مصلحة الشخص المستهدف.

الجزء الخامس: في الأصل والجهل بالمؤسسات أو تيزنغ (5/5)

في نهاية المطاف وبعد الحديث عن جزئيات هذه القضية وشكلياتها ماذا يبقى في الأصل؟ ماذا يبقى في قضية مفتعلة حسب رأيي بعيدا عن الصبيانية السياسية للبعض والانتهازية المفرطة للبعض الآخر؟

يبدو لي وأن العنصر الأهم هو أن قسما كبيرا من مواطنينا لم يستوعبوا بعد نظام الحكم في البلاد ومفهوم السلطة متعددة الأقطاب. النداءات التي صدرت مثلا عن بعض المواطنين وخاصة عن بعض المسؤولين لرئيس الجمهورية "كي يضع حدا لتجاوزات الغنوشي" تؤشر عن قلة فهمهم للنظام السياسي في البلاد وتوحي بأنهم مازالوا يعيشون زمن الحكم الفردي المتفرد أو ربما يتمنون العودة إليه. على أية الحال، الحديث في أو عن الأصل هو حديث يهتم بكل ما هو هيكلي ومؤسساتي. وعليه وجب التنويه والتنبيه إلى ما يلي:

- رئيس الجمهورية ليس رئيسا مباشرا بالمعنى الاداري للنواب ومن باب أحرى ليس "عرف" رئيس مجلس النواب حتى "يضع حدا" لأي أمر من الأمور ولو كان كارها له.

- النظام السياسي الرئاسي, ومن باب أولى الرئاسوي, قبر أو على الأقل أدخل في غيبوبة, سنة 2011 والبرلمان لم يعد صندوق بريد يترأسه صوريا ساع مثل فؤاد المبزع, لا يبل ولا يعل, مع احترامنا لشخص السيد المبزع.

- الانظمة السياسية البرلمانية أو الشبيهة تكون غالبا بيئة مناسبة لظهور حكومات ائتلافية او حالات من "التعايش السياسي" تجعل من "الاختلافات التقديرية" أمرا معهودا بما في ذلك أمورا تتعلق ببعض الملفات الدبلوماسية. حتى في الأنظمة الرئاسية كالولايات المتحدة وفرنسا نسجل بعض الاختلاف في الرؤى أو التقييم وسفريات لارشيه في فرنسا أو تصريحات بيلوزي في الولايات المتحدة أمثلة معلومة للجميع.

- الدبلوماسية الرسمية للبلاد التي هي شأن مشترك بين رئيسي السلطة التنفيذية هي جملة قرارات ومواقف لا يمكن أن يتخذها ألا أصحابها. أما التقدير والتحليل والقراءة فهي متاحة للجميع ومن باب أولى لنواب الشعب. وعلى "حد علمي" فإن الغنوشي لم يعين سفيرا ولا عزل قنصلا ولا قطع علاقات دبلوماسية مع بلد آخر ولا أعلن حربا.

ما يدور في ليبيا شيء خطير وكبير وآن الأوان لكي يرتقي بعض الغارقين في الصبيانيات السياسية ويعوا دقة المرحلة وخطورتها ويركزوا على الأهم. نصيحة أخيرة للسيد رئيس الجمهورية هي أن يكف عن الشكوى والتشكي والتباكي وأن يتحرك (أخيرا) على المستوى الدبلوماسي حتى يكون فعله على قدر قوله.

Commentaires - تعليقات
Pas de commentaires - لا توجد تعليقات