الدساترة..بين خياري الإصلاح والفاشية

Photo

بعيدا عن أولئك الذين لو جاءهم اليوم الشيخ عبد العزيز الثعالبي مؤسس حزب الدستور، لما ترددوا في القول بأنه "اخوانجي أسس الحزب لصالح أجندة عثمانية أو اخوانية"، وبعيدا عن أولئك "الذين لم يحدّثوا انفسهم بقراءة فاتحة على قبر الزعيم طيلة حقبة النظام السابق، ناهيك ان يذكروه بكلمة طيبة واحدة سواء ايام كان تحت الاقامة الجبرية او بعد وفاته وحتّى قيام الثورة"، وبعيدا عن أوّلئك الذين يرفعون صوره زورا وبهتانا كما رفع قميص عثمان طلبا للثأر له أو رفعت المصاحف على رؤوس الرماح في صفين وَكما رفعت كلمات الحق التي اريد بها باطل على مر تاريخنا العربي الاسلامي الطويل، وكذلك بعيدا عن أولئك الذين يريدون منح "الانتماء الدستوري" طابعا قبليا (انا واخي على ابن عمّي، وانا وابن عمي على الغريب)، أو طابعا طائفيا (انصر أخاك ظالما ومظلوما ودون معرفة التفاصيل او التأكد من عدالة القضية)، واخيرا بعيدا عن أؤلئك الذين لا يظهرون رؤوسهم الا ايام الرخاء والدعة طيلة السنوات الاخيرة وهربوا من جميع المعارك التي كان عليهم ان يخوضوها دفاعا عن التيار الدستوري (معركة الاقصاء الاولى 2011 ومعركة الاقصاء الثانية 2012-2014) والذين ارتعبوا لمجرد قول احدهم عن الرئيس بن علي "فرّج الله كربه" (2016)، بعيدا عن هؤلاء ومن شابههم ووافقهم، اقول:

* هناك خياران امام التيار الدستوري اليوم، اما ان يختار السير في طريق الاصلاح بكلِّ ما يعنيه من نظرة نقدية وتراكمية وإيجابية حيال اللحظات المفصلية التي استجدت طيلة تاريخنا المعاصر، وهو ما يؤهله للمساهمة في بناء تونس الجديدة الديمقراطية، واما النكوص الى خيار الفاشية بما يعنيه من المغامرة من جديد بمستقبل تونس والعائلة الدستورية، فجعل التيار الدستوري تيارا اقصائيا متطرفا يرفع شعارات شعبوية شوفينية منغلقة هو محاولة جديدة لتوظيف شخص واحد لتراث عزيز المذهب ساهم في جميع معارك الوطن الكبرى، من اجل تحقيق ربح سياسي ضيّق على المدى القصير.

* ان التيار الدستوري لا يمكنه ان يجدد نفسه الا بناء على ارضية فكرية ونقدية صلبة، أما الاستغلال الشعبوي السطحي المغامر المرتبط بأجندات إقليمية لا يسرّها نجاح تونس في الحفاظ على تجربتها الديمقراطية، فلن يفضي الا الى حرمان هذا التيار من الدور الطلائعي المؤهل له، وبالحفاظ على خصائص التيار الاساسية القائمة على المرونة والاعتدال والوسطية والوحدة الوطنية، لا على الحقد والكراهية وتقسيم التونسيين الى فئتين متخاصمتين وتحويل اجواء البلاد الى بيئة مشابهة لمناخات الحروب الأهلية والصراعات الداخلية المدمِرة. وهو ما فهمه الزعيم الباجي قائد السبسي رحمه الله وحاول ما أمكنه التأسيس له.

* واخيرا فان الدساترة العقلاء والحكماء، رجال الدولة الوطنية الحقيقيون، العارفون لتفاصيل تاريخ الحركة الوطنية، والمتشبثون بقيم الجمهورية والمعتزون بما حققته الدولة المستقلة من منجزات وجب صَونها، مدعوون للتحرك والعمل المشترك من اجل ان لا تذهب البلاد والعائلة الدستورية في مسار خاطئ قد يكون ثمنه باهضا اكثر مما كان عليه الحال خلال الثورة الاخيرة.

عليهم ان يدلوا بدلوهم في مجابهة النزعة الفاشية التي أطلقت والتي تنذر بآثار وخيمة، وان ينظروا كيف بمقدورهم تعزيز فرص عائلتهم الفكرية والسياسية في المساهمة البناءة سواء على صعيد استكمال مسار الانتقال الديمقراطي والعدالة الانتقالية والمصالحة الوطنية أو على صعيد تثبيت منوال تنموي جديد يصنع افقا واعدا لوطنهم وشعبهم ودولتهم، افقا يرقى لطموح التونسيين ويليق بتونس.

Commentaires - تعليقات
Pas de commentaires - لا توجد تعليقات