لندع النظريات جانبا... هذه حالة واقعية وشخصية…
خلال الثمانينات كنت ادرس بكلية الحقوق..بتونس بعد أن انتقلت إليها من كلية الحقوق بسوسة..
وكان والدي رحمه الله يسألني بما اني "حقوقي" هل له أن يتقدم بشكوى بخصوص تجنيده قسرا من الاستعمار الفرنسي (رفقة عمي) للمشاركة في الحرب العالمية الثانية ضد ألمانيا النازية…
وقد تم تجنيده بجزيرة كورسيكا سنة 1941 وبقي قرابة 3 سنوات تحت قصف الطيران النازي...علما وأنه شارك في معركة بنزرت لاحقا... ولم يطلب حتى مجرد شهادة...ونال التنكيل بابنائه.. فيما بعد بسبب أفكارهم السياسية المناوئة لبورقيبة... وقد كانت مجرد أفكار عبروا عنها في الجامعة... وهم من مشارب فكرية مختلفة وأحيانا متناقضة...
كانت اول قضية اتعهد بها وانا طالب سنة ثالثة حقوق.. رد الاعتبار لوالدي من الدولة الفرنسية...
وبالفعل تقدمت بمطلب مسبق عن طريق البريد (مستعينا بدروس استاذي ناجي البكوش حول النزاع الاداري) إلى إدارة قدماء المحاربين التابعة للدولة الفرنسية بالان سافاري... ميتيال فيل…
وقد كان والدي يحفظ رقمه في الكتيبة العسكرية واسم الضابط المشرف عليه.. ودوننا ذلك في المطلب... وكم كانت المفاجأة.. ان اجابتنا مصالح السفارة الفرنسية بقبول المطلب وبثبوت صحة ادعاءات الوالد...
وان من حقه المطالبة بحقه خلال ال3 سنوات.. لكونه حرم من عمله وعائلته في تونس... وجند وشقيقه الذي اسرته القوات النازية وهرب من الأسر رحمه الله... وهذه أمور لا يفقهها من لم يشعر بمعاناة هؤلاء.. ممن يعتبرونها مجرد قصص تافهة..
في كلمة الدولة الفرنسية اعترفت بَواقعة مضى عليها 43 سنة…حينذاك من رسالة حررها طالب في حق والده المسن.. وهو في عمر لم يعد يستحضر فيه سوى… ماضي الحرب مع الاستعمار ومع النازية…ولم يكن يبحث سوى عن رد اعتبار..
هذه واقعة فردية تهم شخصا محددا فما بالك بتاريخ ومظالم تهم تاريخ شعب باسره… طبعا لم يغنم الوالد شيئا يذكر ماديا.. فلقد كان يبحث عن رد الاعتبار.. والاعتراف له بمقاومة النازية…في حرب مات فيها آلاف المغاربة…
هذه القضايا عادلة… ولا لبس في ذلك… لا يجب أن ننفيها لأن جهة سياسية معينة اثارتها…في نطاق مزايدات.. لأن هناك ضحايا كسرت عظامهم تحت دبابات الجيش الفرنسي ودبابات دول المحور… ودفنوا في خنادق جماعية…ولم يجدوا من يترحم عليهم أو يدفنهم…
قال أحد الحكماء "لا تقل لي من قال بل قل لي ما قال"…