حين تجتمع المعطيات التالية حول أحداث تطاوين الجارية:
1 -موقف المركزيّة النقابيّة والمكتب التنفيذي الجهوي بتطاوين وما يثار حوله من انتقادات جذرية من القاعدة النقابيّة بالجهة.
2 -بيان تنسيقية الكامور الواضح والرافض لمحاولة قيادة الاتحاد الركوب على الأحداث وتوجيهها في إطار خطته التصعيدية مع الحكومة وموجة الإضرابات المختلقة في أكثر من قطاع في وضع اقتصادي حرج للغاية.
وهو نفس الموقف الذي كان في أحداث الرش في سليانة حيث عمدت قيادات نقابية مؤدلجة على توتير المدينة دفاعا عن إقطاعيين كبار في الجهة تضرروا من الإصلاحات التي أقرها الوالي. وسُجّل تواطؤ جهات أمنية في استعمال الرش بدون علم وزير الداخلية..
3 -موقف الإعلام النوفمبري (في ذيله لاصڤة إذاعة تطاوين)، ونبرة انحيازه وحرصه على التغطية الموجّهة باسم الاستحقاق الاجتماعي.
4 -تصريح الناطق الرسمي باسم وزارة الداخليّة بأنّ الوزارة اتخذت موقف الدفاع عن أعوانها الذين استهدفوا في محيط المؤسسة الأمنية. يُسلَّم للدولة باحتكار العنف ويُطلب منها أكثر المدّعين لمناهضتها أن يكون لها هيبة (لست منهم)، ثمّ يُستهجن دفاعُها عن نفسها؟
5 -تأكيد أحد أعضاء التنسيقية على أنّ الوضع خرج على السيطرة وأنّه يوجد مندسّون. وشهد بوجود شاحنات وسيارات تحمّل المتظاهرين إلى التحرك ومحيط المؤسسة الأمنية. وأنّ التنسيقية ليست مسؤولة عنهم ولا عما ارتكبوه من عنف. وأنّ تحرّكها سلمي وغايته تنفيذ كل بنود اتفاق 2017.
حين تجتمع كلّ هذه المعطيات تكون الاستخلاصات التالية:
1 - أحقية المطلب الاجتماعي في التشغيل وفي الوفاء بالاتفاقيات والعمل على تنفيذها.
2 - حقّ الجهة في التنمية وفي ما تتطلبه من رصد الميزانيات الكافية للمشاريع المناسبة.
3 - مسؤولية التنسيقية وشباب الكامور على سلمية التحركات، ومنع كل اختراقات ممكنة لحرفها عن مطالبها في التشغيل والتنمية بالتوظيف السياسي من هذه الجهة او تلك. وقد كان هذا في أحداث الكامور الأولى وما رشح من تدخّل بعض الأحزاب المشبوهة التي لم تخف علاقتها بحفتر حليف المداخلة وقد كانت زارته.
4 - لا مسوّغ للعنف المبالغ فيه من قبل وزارة الداخلية (قد يرتكبه خصم الحكومة لتوريطها: الرش في سليانة). وقد كانت الوزارة دفعت عنها التهمة بالتأكيد على موقفها الدفاعي، وحتّى الدفاع عن النفس لا يبرره. ومالذي كان يمنع المؤسسة الأمنية من أن تنشر فيديوات شاهدة، وهي التي لا يفوتها تسجيل التظاهرات.
5 -أهميّة الاستماع إلى أهل الجهات التي تتم فيها الاحتجاجات وإلى قياداتها الفكريّة والسياسية والاجتماعية المشهود لها بالمصداقية (وددتُ الاستماع إلى رأي مفصّل من المناضل النقابي والسياسي الأستاذ مصباح شنيب). الاستماع إليهم جميعا هو السبيل الوحيد لفهم الدوافع والأهداف النبيل منها والرذيل.
6 - حقيقة أنّ هذه الحكومة مستهدفة من أكثر من جهة وأبرزها قيادة الاتحاد وبعض المشاركين فيها، وسعيها إلى الركوب على الاحتجاجات والاعتصامات في مواطن التوتّر ومنها منطقة المناجم (المكناسي). فضلا عن حاجتها إلى تصدير أزمتها الداخلية وتوتير المناخ الاجتماعي باسم مطالب مستهلكة وحجج واهية.
لا أجد حرجا في دعم هذه الحكومة، في بعض المحطات للمزاج الانتخابي الذي عبّرتْ عنه. مثلما لم أجد حرجا في انتقادها بقوّة في محطات أخرى. ولن أنعت كثيرا من المواقف حول الأحداث الجارية بالشعبوية، وهي المواقف التي يهرع أصحابها إلى ما يعتقدونه "موقفا كاملا" رغم تغيّر السياقات لكي يقال لهم "دمتم ذخرا للثورة".
الدفاع عن الظلم والظالم مرفوض سواء كان في مرحلة الاستبداد أو في مرحلة الحريّة، وإن كان في الاستبداد أخزى وأوضع. واختلاف الاجتهادات في ظلّ حريات الانتقال الديمقراطي يعدّ اختلافا في الاتجاه وليس اختلافا في الدرجة. غير أنّ مصداقيّة كلّ اجتهاد مرجعها الوحيد عندنا هو علاقتها بـ"دعم شروط الديمقراطيّة" (عبارة في غاية الأهمية وهي قطب الرحى وعليها مدار الأمر كله). وأرى أنّ الحكومة الحالية على علاتها من هذه الشروط الديمقراطيّة، في سياق يُستهدف فيه المسار كله بقوّة من داخله وخارجه.
أقول هذا ويعرف أصدقائي الصدوقين أنّ توتّري المستدام ليس مع الدولة التي دخلتها يوما فزادت غربتي (حتّى العمل/الوظيف العادي تابع الدولة ولكن هامش الحريّة غير الهامش…)، وإنّما مع فكرة الدولة نفسها، دون أن يكون بيني وبين السيّد قيس سعيّد أية تقاطع لا في النظر ولا في العمل. وإنّي أعيش على أمل أن تكون إضافتنا وربما إضافة أبنائنا وأحفادنا تأسيسَ ديمقراطيّة مشروطة بالحريّة. وفي هذا كلام كثير…
دعم شروط الديمقراطيّة أو ما نراه شروطا للديمقراطيّة (باب خلاف غير هيّن) هو الذي يحدّد الموقف من المؤسسات والأحزاب والمنظمات والشخصيات…هكذا تكون الصورة ربما أوضح.
ما ذكرناه على سبيل التفسير لا يخلو عند البعض من تبرير، نذكره هذه المرة ولن نعود إليه ثانية، (نڤعدوش كل خَوِي زُمّيطة عاد ؟!!!)